عهدته يافعاً في سني دراستنا المتوسطة , شاب حديث عهد بالطموحات جديد على التفاؤل بالمستقبل ومذ عرفته حيث كنا معاً في صف ٍ واحد لم منه الاّ الخلق الكريم والشخصية المتميزة كان مميزاً بالفعل , صمته كلام ونظرته تحمل معان ٍ كثيرة , حين يشخص ببصره الى انسان ٍ او شيءٍ أقرأ ُ في نظرته عشرات الكلمات وأحسُّ من خلالها بقوة شخصيته التي لم تأخذ حيزاً مهماً في الحياة ( رُغم ما يمتلكهُ من تميّز ٍ وتفرد ٍ في الصفات ) عشقته واحببت ُ روحه التي كانت مرآتي أنظر فيها اعماق نفسي , كنا كالتوأم لا نفارق بعضنا نتشابه في كل شيء ونتفق في كل الميول والتوجهات الا في تخصصنا الاكاديمي ( فيما بعد) كان أحدنا صندوقاً مقفلاً لسر ِّ الاخر لا يفتحه الا صاحبه وأستمرت تلك الصحبة وأزدادت مكانته في نفسي وكبر حبه بين ثنايا روحي كلما ازدادت ايام صحبتنا ولم أعد أتصور فراقه ليوم واحد حتى صار جزءاً مني وبت أنظر اليه كأنه نفسي وصارت حياته جزءاً من حياتي وشاءت الظروف ان تفرقنا قليلاً لأختلاف فرعينا في الاعدادية ولم يزل هو يمضي متميزاً في تفوق متلاحق وأكملنا الدراسة ومضى كل منا للبحث عن طموحه الذي كان يحلم به ولكن الحقبة السوداء التي مرت بالعراق والتي لعشرات السنين غيبت العدل ولم يكن لأصحاب الشهادات فيها نصيب وبقينا انا وهو تقلبنا ايدي الليالي والايام كيف تشاء وكلٌّ يجتهد لتحصيل رزقه ومرت السنوات المتلاحقة على هذا الحال حتى وصلني نبأ حصوله على عمل يليق به وبشهادته , فرحت بالخير اكثر مما فرح به هو نفسه ..
وحين جاء موعد لقاءنا المعتاد ذهبت لكي أراه فأستقبلني أخوه بعيون جفت دموعها قائلاً لي وهو يستعد للخروج تعال معي لكي تراه فتحركت كرجل ٍ آلي ولم أسأل عن مكان وجوده لأحتفظ بثمالة الامل الباقية . ولا أعلم كيف كانت حالتي حين نظرت اليه وهو جثة بلا رأس على دكة المغتسل غير أني اذكر أنني رفعت يدي لأتأكد من وجود رأسي في مكانه وجلت ُ ببصري وأذا الناس يبكون علي ّ |