تلعب السياسية المالية الحكومية دورا مهما في الحياة الاقتصادية. من خلال السياسة المالية تستطيع الحكومات من محاربة التراجع الاقتصادي وذلك من خلال زيادة المصاريف الحكومية ( بناء سدود مائية , بناء طريق عامه , بناء جسور و قناطر , تعينات جديدة ...) , و تخفيض الضرائب على الشركات والافراد. لان تخفيض الضرائب على الافراد والشركات يعني زيادة الثروات وبالتالي صرفها على السلع والخدمات التي يحتاجونها , وهكذا يزداد الطلب العام , ويزداد الطلب على الايدي العاملة , والخروج من الازمة الاقتصادية.
في زمن التضخم المالي , تقوم الحكومة بإجراءات معاكسة لإجراءاتها في زمن الركود . في زمن تصاعد أسعار السلع والخدمات , تقوم الدولة بزيادة الضرائب وتقليص مصاريفها وبذلك يقل الطلب العام على السلع والخدمات , استقرار الأسعار وربما انخفاضها , وبذلك يتم السيطرة على نسبة التضخم في البلاد.
شيء اخر و مهم تقوم به الدولة وهو دعم الاقتصاد الوطني من خلال شرائها المنتوج الوطني . الدولة هي الاغنى لان بيدها مفاتيح الخزانة المالية وهي الأكبر بين المشترين . المصاريف الحكومية في الولايات المتحدة الامريكية بلغت 36 % من الإنتاج المحلي عام 2014 , فرنسا 56% , بلجيكا 53%, دنمارك 58%, مصر 32%, الجزائر 41%, روسيا 36%, إيطاليا 50%, و تركيا 35% . في هذا المجال تنظر الدولة ان مصادر الأموال في خزائنها تكونت من الضرائب على الافراد والشركات , وعليه من العدل والانصاف ان تشارك الدولة مواطنيها بهذه الثروة من خلال شراء منتوجاتهم , و بذلك يستفاد المواطن (العمال) و الشركات الوطنية (المنتجين) من أموالهم. هذا الاجراء تقوم به اغلب الدول في العالم بما فيها الولايات المتحدة الامريكية . ففي هذا البلد , لا يستطع أي مكتب اتحادي بشراء أي منتوج اجنبي الا في حالة عدم انتاجه محليا . ولهذا تجد ان الطائرات المدنية والحربية العائدة الى الحكومة الفدرالية محلية الصنع , وكذلك السيارات والاثاث و والملابس التي يلبسها الجيش الاتحادي.
بكل الأسف , اغلب المصاريف الحكومية العراقية لا ينتفع بها المواطن او الشركات العراقية وانما الأجنبي لان ببساطة لا توجد صناعات عراقية تستطع الدولة شرائها . ان وجود صناعة عراقية متخصصة لحاجة الدولة او تحويل الدولة الى شراء المنتوج الوطني بدلا من الأجنبي سوف يقلص اعداد العاطلين عن العمل , انتشار الثقافة الصناعية , وحفظ العملات الأجنبية داخل البلد . هناك عدد كبير من الإنتاج الوطني يمكن ان ينتعش و يتوسع حتى بدون تصديره الى الأسواق العالمية لان حجم الطلب عليه من قبل الدولة كبير . نحن لا نقول على الدولة ان تشتري طائراتها من السوق المحلية او سيارات نقل الركاب او مكائن البناء الضخمة او الأجهزة الطبية , لأنها ببساطة غير موجودة في العراق وان كلفة انتاجها محليا يفوق كلفة شراءها من الخارج. ولكن هناك مواد من الممكن انتاجها محليا و بمواد أولية عراقية و بأيدي عراقية . على سبيل المثال , هناك حوالي خمسة ملايين طالب ( من مرحلة الابتدائية الى السنة الأخيرة من الدراسة الجامعية ) , وان هذا العدد الكبير يحتاج الى خمسة ملايين رحلة (كرسي) , ولو افترضنا ان الاندثار السنوي لهذه الرحلات هو 100 الف رحلة , فأننا نتحدث عن الحاجة الى معمل نجارة يتكون اكثر من 100 عامل . مثال اخر, في العراق يوجد مالا يقل عن نصف مليون من القوات الأمنية (شرطة وجيش) , كل فرد من هؤلاء الابطال يحتاج على الأقل الى بدلتين في العام الواحد وبذلك يكون العدد المطلوب من البدلات مليون قطعة . ومن اجل انتاج هذا العدد , فأننا نحتاج الى معامل خياطة مع عدد من الخياطين يزيد عن الف خياط. القوى الأمنية لديها مالا يقل عن 300 الف عربة ( بكل أنواعها) ولو فرضنا ان كل عربة تحتاج الى اربع إطارات , فأننا نتحدث عن 1.2 مليون اطار من جميع الأصناف . وهنا نتحدث عن الحاجة الى مصنع لصناعة إطارات السيارات مع عدد كبير من العمال.
كثيرة هي حاجات الدولة من السلع ويمكن صناعتها محليا وبذلك تحافظ على العملات الصعبة و تشجع المنتوج الوطني , مثل الورق , الأقلام , الحديد والصلب, اثاث لدوائر الدولة , الأسمدة , المبيدات , الآلات الزراعية الغير معقدة , ومئات أخرى من الصناعات . يضاف الى ذلك , من خلال المشاريع الحكومية الكبيرة تتقلص نسبة البطالة ويزداد الدخل وهذا ما تعمل به جميع دول العالم , خاصة في أيام الركود الاقتصادي , زيادة مصاريفها. لان بناء عدة جسور على سبيل المثال يزيد من انتاج الاسمنت , الحديد, الرمل والحصى, انتاج المكائن والآت البناء الضخمة , وبدورها يزيد الطلب على العمال ويزيد دخل المواطن والذي يؤهله على شراء ملابس الى اطفاله , ايجار او شراء دار لعائلته , شراء اثاث , أجهزة كهربائية , وحاجات أخرى .
النظام الرأسمالي يحرم تدخل الدولة في شؤون الاقتصاد , ولكن الحقيقة انه لا يمكن لاقتصاد ان يزدهر و ينتعش بدول الدولة , وهذه حقيقة تزعج الاقتصاديين الكلاسيكيين والذين مازالوا يصرون على ان الاقتصاد الوطني يعالج نفسه بنفسه.