اذا كان من حق مرشح الانتخابات ان يتهم منافسه بالفشل و عدم استطاعته تحقيق ما يتطلع له المنتخب العراقي , فليس من حق رجل الدين الدعوة الى مقاطعة الانتخابات بحجج واهية لا تختلف كثيرا من حجج أعداء التغيير . ان الدعوة الى مقاطعة الانتخابات القادمة ما هي الا دعوة الى الغاء دماء مئات الاف من الشهداء التي سقطت منذ اليوم الأول لبدء العمليات الإرهابية وحتى كتابة هذه السطور . الارهابيون قتلوا المواطن العراقي في المسجد والحسينية والكنيسة، في الشارع والمدرسة, في السوق وفي المستشفى , في عمله وفي داره , في الفواتح وفي الاعراس كان الهدف واحد هو خلق الياس في قلوب العراقيين , عدم دعم التغيير , ومن ثم القضاء عليه ليحل محله نظام دكتاتوري على طريقة النظام البائد او على طريقة حكم داعش في الموصل و شمال سوريا.
دعوة بعض رجال الدين مقاطعة الانتخابات دعوة حق اريد بها باطل . لا احد ينكر ان التغيير لم ينجز الكثير من الإنجازات . بل بالحقيقة ان بعض المرافق الاقتصادية قد تراجعت وتراجع معها المستوى المعاشي للمواطن . كما وهناك ظواهر اجتماعية مخربة طافت على السطح لم تكن في الحقب السابقة مثل انتشار تعاطي المخدرات , استفحال العشيرة الى درجة اصبح ان يتدخل جيش لفض نزاعاتهم , ظهور الجريمة المنظمة , انتشار البطالة بين الشباب , واستفحال الفساد المالي والإداري.
ولكن المتتبع المنصف للوضع العراقي منذ التغيير ولحد الان سوف لن يجد صعوبة من تفسير هذه الظواهر السيئة التي انتشرت في العراق , وسيجد ان جذورها هو الإرهاب المبرمج الذي استخدمه أعداء العراق واعداء التغيير . وهنا , من المفيد القول هو اني ليس في حالة دفاع عن حكومة الدكتور علاوي ولا الدكتور الجعفري ولا المالكي او الدكتور العبادي , ولكن أقول ان هؤلاء القادة قد حموا العملية السياسية من الانهيار على يد المجاميع الإرهابية ورضوا بتعطيل التحولات الاقتصادية . بكلام كله وضوح ان قادة البلاد انقذوا العملية السياسية وهم يعرفون ان هذه الحماية هي على حساب حياة و مستوى الموطن العراقي المعاشي .
وبالفعل استطاع هؤلاء القادة من دحر الإرهاب ولكن بثمن باهض , وهو دماء مئات الالاف من المواطنين الأبرياء . هل تستحق العملية الجديد كل هذه الدماء للبقاء؟ الجواب هو بكل تأكيد نعم. تذكر قول الأمير علي بن ابي طالب حين قال " شجرة الصحراء اقوى عودا" . التنمية والتقدم والتحضر الذي نشاهده في الدول المتحضرة مثل الولايات المتحدة الامريكية , بريطانيا العظمى , فرنسا, والصين لم يأتي سهلا ,لان وراء كل تقدم وازدهار في بلد متحضر كانت هناك أرواح قد زهقت . ولهذا عندما يزور الزائر شوارع المدن المهمة في هذه البلدان يشاهد كثرة النصب التي تخلد ابطالهم .
رجوعا الى قصة العراق , الإرهاب قتل الأبرياء من المواطنين و بألاف وعطل التنمية الاقتصادية مما أدى الى تراجع في كثير من القيم الجميلة والتي كان العراقيون يتميزون بها وهذا يؤسف له , لان هناك الكثير من الأشرار والذين يتحينون الفرص على الكسب السريع , خاصة وان الأجهزة الأمنية كانت مشغولة بمحاربة مجاميع اكثر خطرا وهي المجاميع الإرهابية. السارق من الممكن على الدولة القاء القبض عليه وايداعه السجن وينتهي الموضوع , ولكن الارهاب اصبح له جذور تمتد على طول البلاد وعرضه , والقاء القبض على عشرة منهم لا يعني توقف الإرهاب في منطق أخرى . انشغال الدولة بمحاربة الإرهاب فرض عليها عدم المراقبة الصارمة على دوائر الدولة , واستفاد من هذا الغياب بعض الموظفين من ضعاف النفوس , ولكن اصلاح الفساد المالي والإداري سوف لن يكون مستحيلا في ظل قوانين صارمة .
هل مرت الدول المتحضرة في مثل المرحلة التي مرت في العراق ؟ الجوب هو أيضا نعم . من يقرأ قصة "ذهب مع الريح" الامريكية سيكتشف ما جرى من ماسي وظلم في الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال والجنوب . ومن قراء قصة " البؤساء " سيكتشف أنواع العذاب الذي تحمله المواطن الفرنسي قبل وبعد الثورة الفرنسية . ان ما يمر به المواطن العراقي ليس غريبا عما شاهده العالم من ظلم وفقر وقتل . تذكر ان التغيير ليس سهلا على الكثير ولابد ان يجابه معارضة , في اغلب الأحيان مسلحة . وبالمناسبة التغيير ليس سهلا حتى على شركات الاعمال العملاقة , حيث ان كثيرا من الرؤساء المعروفين بنجاحاتهم السابقة قد تساقطوا بسبب معارضتهم للتغيير . لا تقدم بدون تغيير. التغيير في العراق فرصة ذهبية يستطيع العراق من خلالها و بفترة زمنية قياسية ان يكون كعبة الشرق الأوسط والعالم.
ان دعوة بعض رجال الدين بمقاطعة الانتخابات انما هي دعوة لأسقاط العملية السياسية والتي فشل الارهابيون من القضاء عليها بالسلاح . في هذا المجال يستخدم بعض رجال الدين فسحة الحرية التي جاءت مع التغيير لقتل التغيير وهو هدف فشل الارهابيون الوصول له . انهم يريدون تحقيق ما لم يستطع الإرهاب تحقيقه . هل كان واحدا منهم يتجرا اطلاق هذه الدعوة في زمن الطاغية ؟ الا يخافوا الله من دماء مئات الاف من العراقيين الأبرياء التي سقطت منذ التغيير ؟ هل هذا جزاء الشهداء ؟ الا يقول عز من قائل " وما جزاء الاحسان الا الاحسان"؟ اذا كانون يحبون الله والإنسانية , فلماذا لا يضيفوا الى دروسهم الأسبوعية حث المواطن على عمل الخير وعدم التجاوز على القانون واحترام الجيران وتحريم الفساد في دوائر الدولة ؟ اذا كانوا حنينين على العراق وأهله , لماذا اذا يسكتون على انتشار الجريمة المنظمة وانتشار المخدرات في المجتمع العراقي؟ اليس وظيفتهم هي نشر الوعي الإسلامي ؟ اليس المسلم يحتاج الى توعيه من مخاطر المخدرات ؟ اليس من واجب رجل الدين حث المواطن على احترام موظف الدولة و حماية ممتلكاتها ؟ اليس من واجب رجل الدين حماية العملية السياسية بعد ان أراد النظام البائد حتى منع الناس الذهاب الى المساجد من اجل أداء فريضة الصلاة ؟ رجل الدين يجب ان يكون رمزا للسلام والمحبة والتقوى لا ان يؤلب مواطن على اخر . ان دعوتهم الى عدم المشاركة في الانتخابات ماهي الا دعوة لزرع الكراهية والفوضى و العنف بين المواطنين , لان هذه الدعوة تدعوا الى الانقسامات بين أبناء الدين الواحد , وهو ما حرمه الله في كتابه الكريم وما حرمه الرسول الأعظم .
|