الخصخصة قد تخلق طبقة رأسمالية وتكنوقراط , ولكن من غير المعقول تجعل من بعض الناس شحاذين . الخصخصة لا يعني سيطرة الأجنبي على مقدرات البلد الاقتصادية , وانما هي مفتوحة لأبناء البلد أيضا . الخصخصة لا يعني ان تتحول ملكية جميع الثروات الوطنية تحت سيطرة القطاع الأهلي والخارجي , وانما تشمل فقط القطاعات التي تنظر الدولة لها على ان ادارتها من قبل القطاع الخاص , الأهلي او الأجنبي , له منافع للبلد اكثر من بقاءها تحت سيطرتها . بريطانيا قامت بخصخصة قطاع انتاج الفحم ,لان رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر رات ان إدارة هذا القطاع الحيوي للاقتصاد البريطاني من الاصلح ادارته من قبل القطاع الأهلي . الخصخصة لا تنحصر في بلد معين او نظام سياسي معين , وانما هي عملية تحرير بعض المنشأة الحكومية من الإخفاقات المتكررة وفشلها في تقديم خدمة للاقتصاد الوطني . معظم المنشآت الصناعية في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تحولت الى القطاع الخاص , الصين تبنت القطاع الخاص وأصبحت قوة اقتصادية تنافس الولايات المتحدة الامريكية وأروبا . السعودية قامت بخصخصة بعض مشاريعها الاقتصادية بفترات متقطعة واخرها هي بيع حوالي 5% من ممتلكات شركة أرمكوا النفطية العملاقة الى المواطنين. تم خصخصة الكثير من المشارع الصناعية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في العراق, وتم خصخصة الكثير من المشاريع الصناعية المصرية بعد ان استلم أنور السادات الحكم.
اذن , لا عيب في الخصخصة , بل في بعض الأوقات تصبح الخصخصة ضرورية لرفع كفاية المشاريع الصناعية . على سبيل المثال , الخصخصة قد تنقذ الصناعة الكهربائية في العراق اذا نجحت الحكومة بذلك. نقل صلاحية توزيع فاتورة الكهرباء على مستهلكين الطاقة الكهربائية و اصلاح العطب المحولات الكهربائية الى القطاع الخاص سوف يضمن انسياب الطاقة الكهربائية بانتظام وبدون انقطاعات متكررة. قطاع الكهرباء , قطاع يحتاج الى ميزانيات مالية ضخمة وبقاء الطاقة الكهربائية توزع بالمجان ( لأعداد كبيرة من المواطنين) , انما يضيف أعباء كثيرة على ميزانية الدولة والتي بدورها تأخر اصلاح العطلات في المنظومة الكهربائية . وبالمناسبة , فان تسعير الوحدة الكهربائية , لحد الان , ليس تحت قرار القطاع الخاص وانما تحت إدارة الدولة وممثلها وزارة الكهرباء . الخصخصة في قطاع الكهرباء شملت جباية أجور استخدام الطاقة وإصلاح العطب فيها فقط.
تحويل المشاريع الحكومية الى مشاريع خاصة او ايجار ثروات طبيعية الى شركات داخلية او خارجية يمر بقواعد قانونية و دراسات مستفيضة من اجل ضمان حماية الثروة الوطنية . وعليه فان الخصخصة لا تعني كرم حاتم الطائي , وانما هناك قواعد وقوانين تفرضها الدولة على الإدارة الجديدة قبل تسليمها , عليه فان من الخاطئ الافتراض :
ان الخصخصة هي عملية استنزاف للثروة الوطنية .
ان الخصخصة تستغني من الايدي العاملة الوطنية , لان حتى لو اشترت احدى الشركات الأجنبية شركة حكومية غير منتجة , فان الشركة الأجنبية ليس لها الحق بتسريح العمال العراقيين الا باتفاق حكومي.
ان الخصخصة تؤدي الى ارتفاع أسعار الخدمات . لا توجد اثباتات قوية لهذه الفرضية , لان بعض أسعار الخدمات تحت الخصخصة اقل من الأسعار قبل الخصخصة وذلك بسبب التحسن في الإنتاجية.
ان الدولة والمواطنين يفقدون السيطرة على نوعية وأسعار الإنتاج تحت الخصخصة . وهذا غير صحيح لان من مصلحة الخصخصة تطوير الإنتاج وزيادته حتى يستطيع الوقوف امام الإنتاج المنافس له سواء هذا الإنتاج وطني او اجنبي. أداء السيارات الامريكية تحسنت بنسب متصاعدة , عندما دخلت السيارات اليابانية والألمانية كمنافس للسيارات الامريكية.
ان الدول غير ملزمة بخصخصة جميع ما لديها من موارد طبيعية , لان هناك موارد طبيعية تلعب دورا استراتيجيا في اقتصاد البلد , وعليه فان هذه الثروات من العادة تبقى تحت إدارة البلد مثل النفط والغاز. إمكانية العراق, على سبيل المثال, لا تسمح له بالاكتشافات النفطية او الاستخراجية ولهذا السبب فان العراق يستخدم شركات عالمية وبأجور معينة من اجل الاستكشاف والاستخراج, اما كمية الإنتاج وقرار بيعه فهما يعودان الى قرار الحكومة العراقية .
ان الخصخصة تفقر خزينة الدولة وبذلك يصبح من السهل على الشركات الأجنبية السيطرة على مقدرات البلد. وهذا الافتراض هو الاخر غير صحيح, لان جميع دول العالم لديها شركات اجنبية تعمل في جميع الاختصاصات , ولم يثبت ان الشركات الأجنبية قد افرغت ميزانيات الدول التي تعمل فيها. على العكس , ان الشركات الأجنبية تلعب دورا اقتصاديا إيجابيا و مهما في البلدان المضيفة لها.
ان ما ذكر أعلاه هو عبارة عن رد على مقال للأستاذ احمد كاظم تحت عنوان " العراق في المزاد العلني لإرضاء البنك الدولي وامريكا" ونشر على "صوت العراق" , بتاريخ 5 اذار 2018. يبقى ان أقول , ان موضوع الخصخصة ونجاحه يعتمد اعتمادا كليا على القواعد التي تضعها الحكومة له . لقد فشلت الخصخصة العراقية في زمن الحكم البائد , لان النظام استخدم الخصخصة لأثراء أصحابه ومؤيديه وانصاره , ولكن الخصخصة نجحت في روسيا الاتحادية لان القيادة الروسية كان هدفها هو تحسين الأداء الاقتصادي للبلد . وعليه فان الخصخصة ليست شرا مطلقا .
|