عندما سقط النظام البعثي البائد وفي الايام الاولى من سقوطه المخزي أظهرت لنا وسائل الاعلام الفضائية حركة دؤوبة من رجال وصبية ونساء يتنقلون بين الدوائر الرسمية ، منهم من يسرق ومنهم من يحرق وهناك عدد لا بأس به كان يقوم بعملية جمع للوثائق والسجلات الحكومية المبعثرة ، وبفضل عملية جمع السجلات التي قام بها من اختلفت دوافعهم استطاعت الحكومة العراقية بعد تشكيلها من إعادة تنظيم سجلاتها وارشيفها الرسمي .
وفي زحمة ذلك الظرف وأهوال أيامه الخطرة حصل الكثير من العراقيين على وثائق ومستندات تؤكد اعتقاله او اعدام احد اقاربه او مقتبسات الاحكام الصادرة بحق الكثير من الشرفاء وكثير منا حصل على التقارير التي رفعها البعثيون عليه او على احد اقاربه او اصدقاءه وبفضل ذلك انكشفت الكثير من اسماء زمر النفاق من وكلاء الامن والمتعاونين مع الاجهزة القمعية .
وكما لكل قضية سلبياتها وايجابياتها كذلك هذا الامر لم يخلو من سلبيات واحدى هذه السلبيات ما قام به الكثير من المزورين بتزوير الكتب الرسمية للنظام البائد من اجل طمس حقيقة اجرامه او تعاونه مع النظام او حتى لنيل حقوق تقاعدية على انه سجين سياسي مثلا ، حيث اكتشفت مؤسسة السجناء السياسيين الكثير من الكتب الرسمية المزورة التي ادعى أصحابها بأنهم سجناء او معتقلين وذلك بعد ان قدموا وثائق حقيقية عمدوا الى رفع اسماء المعتقلين الحقيقيين ووضع اسماءهم بدلها ، وهناك من زوّر وثائق ادعى بها انه ضابط في الجيش او الشرطة وغيرها من المهن والمناصب وهذا بالضبط ما فعله المدعو علي الشلاه النائب في مجلس النواب العراقي ، حيث قام بتزوير كتب رسمية صادرة من جهاز المخابرات ليطمس آثار حقيقة عضويته في حزب البعث والتغطية على مناصبه التي تقلدها ابان حكم الاجرام البعثي للعراق .
لم ارد الخوض في مواضيع عراقية ولم اكتب فيها بل لم اكتب بالعربية أي مقال سابقا الا ان مواضيع التزوير والادلة الجنائية تستهويني كثيرا لانها اختصاصي الذي اُدرّسه في معهد خدمات الامن والحراسة في مدينة نيوجرسي الامريكية منذ عام 1997 ،والسبب الآخر الذي دعاني للكتابه هو الاستفزاز الذي يمارسه السيد علي الشلاه بأنكار انتماءه الى حزب البعث وهو الذي لم يخلع بدلة الزيتوني وقد رأيته بأم عيني ببدلته الزيتوني ومسدس نمره 9 على جنبه ذلك كان في عام 1990 في مدينة الحلة عندما كنت ضابط الادلة الجنائية في مديرية شرطة بابل والمرة الثانية رأيته في بداية الشهر الثالث من عام 1991عندما جاء مع مجموعة من البعثيين الى مركز شرطة المسيب الواقع على الشارع العام الذي يربط المسيب بمدينة كربلاء حيث كان المركز محطة تموين المقاتلين البعثيين المرافقين لقوات الجيش التي كانت تستعد للهجوم على مدينة الحلة لتطهيرها من قوات الانتفاضة ....
هنا اعرض على القارئ الكريم احد الكتب الرسمية التي عمد الشلاه الى تزويرها وتغيير نصوصها الحقيقية ووضع نص آخر يلائم رغباته ، وفي البدء لا اريد من القارئ الكريم الا ببضع لحظات يركز بها مع الملاحظات التي سأوردها للوصول الى حقيقة الكتاب الرسمي المرفق مع هذا المقال بصورته المزوره وصورته الحقيقية .
ملاحظات حول صورة الكتاب الذي يدعيه النائب علي الشلاه :
1. الكتاب صادر يوم 7 / 4 / 1995 وهذا اليوم يصادف يوم جمعة من ايام الأسبوع وايضا مناسبة تأسيس حزب البعث وتقتصر الاحتفالات بتأسيس الحزب على الساعتين الأولى من الدوام الرسمي لا نقول ان جهاز المخابرات يعطل أعماله في يوم الجمعة ولكنه أيضا لا يرسل بريد عادي ويكتفي الجهاز بأدارة الامور الخاصة بالحركات والعمليات ولا يصدر كتب ادارية كما هو الكتاب الذي يدعيه السيد علي الشلاه .
2. الكتاب مكتوب بخط اليد وهذا اسلوب غير معهود في جهاز المخابرات التابع لرئاسة الجمهورية.
3. ارسل الكتاب من جهاز المخابرات وليس من مديرية تابعة له الى جهة غير معلومة وهذا امر غير معمول به اداريا في العراق خاصة وان صفتها ( سري ).
4. الكتاب من دون موضوع وهذا غير معمول به في الدوائر العراقية وبالخصوص المرتبطة برئاسة الجمهورية.
5. افتتح الكتاب بكلمة ( اعلامكم ) في حين ان الاعلام يرد من جهة اعلى الى جهة ادنى ، الجهة الادنى ترسل كتاب ولا ترسل اعلام ، السؤال هنا ( من تلك الجهة الامنية التي تعتبر اعلى من جهاز المخابرات ؟ وجهاز المخابرات دائرة مرتبطة برئيس الجمهورية ؟ ) فمَن من الدوائر الامنية قادرة على ارسال اعلام الى رئاسة جهاز المخابرات غير رئاسة الجمهورية ؟ وقد توهم الشلاه عندما رأى ان الورقة هي من اوراق الاعلامات التي ترسلها المخابرات الى الدوائر والمديريات المرتبطة بها فعمد الى كتابة كلمة اعلامكم في بداية الكتاب واقعا في خطأ كبير هو يكفي لدحض ادعاءه للكتاب .
6. اذا كان الاعلام وارد من رئاسة الجمهورية فلا يمكن ان تتأخر إجابة الكتاب لمدة شهرين فالسياق المعمول به في جهاز المخابرات وكل دوائر الدولة الاخرى هو إجابة رئاسة الجمهورية في فترة لا تزيد على ثلاثة ايام وفي حالة طلبها معلومات غير متوفرة لدى الجهاز، سيعمد الجهاز الى إجابتها بأنه لا توجد معلومات وبعدها يعمم جهاز المخابرات كتاب الى دائرة المعلومات في الجهاز يطلب فيها معلومات مستعجلة ويقوم بإرسال نسخة من هذا التعميم الى رئاسة الجمهورية لكي يثبتوا بأنهم عملوا على الاستجابة لما طلبته رئاسة الجمهورية .
7. الكتاب يتكلم عن معلومات طلبها المرسل اليه وهذا اسلوب غير وارد مطلقا ، فلو كان المُرسل اليه ارسل كتاب طلب معلومات عن شخص معين لما اسمى رسالته بـ ( اعلام ) بل سيسمي رسالته بـ ( طلب معلومات ) وجهاز المخابرات سيجيبه بكلمة كتابكم المرقم ولا يقول اعلامكم المرقم ....
8. بنظرة مركزة على تاريخ اصدار الكتاب وهو 7 / 4 / 1995 ستجد ان الرقم خمسة غير صحيح ولا يتناسب موقعه مع باقي أرقام التأريخ .
9. تم تأشير الكتاب عند كلمة (الى) وهذا غير معمول به في الادارة الا اذا كانت هناك نسخ اخرى من الكتاب ترسل الى جهات اخرى غير التي عُنون الكتاب اليها ، والكتاب المزور بحسب الظاهر لا توجد فيه نسخ اخرى.
10. اذا تكرم القارئ الكريم بالنظر الى أسفل الكتاب من جهته اليسرى سيجد عبارة مكتوبة ( سجل ) ورقم 36 فوقها .... السجل هو سجل الوارد الخاص بقلم الادارة في مديرية مخابرات البصرة وقد سجل الكتاب فيه تحت تسلسل 36... واما الرقم الذي تحت كلمة سجل فهو عبارة عن تاريخ ادخال الكتاب في الوارد وهو يوم 11/4/1990 وهو يوم اربعاء من ايام الاسبوع ، هذا التأريخ ايضا عبث به الشلاه وحوله الى يوم 11/4/ 1995 .
11. لا اعرف حقيقة سبب اقدام الشلاه على ثقب الكتاب ، الا اذا تصور ان جهاز المخابرات تحفظ وثائقها في سجلات !.... هنا اريد ان اهمس في اذن القارئ الكريم بأن جهاز المخابرات لا تحفظ وثائقها في ملفات كما في الجيش او الدوائر الرسمية وانما تحفظها في كارتونات مخصصة لهذا الغرض كانت تجلبها المخابرات ايام صدام من المانيا الشرقية وبعدها من رومانيا وهذا هو سر احتفاظ جهاز المخابرات بوثائقه لان الكارتون محصن من الماء والرطوبة والنار اضافة الى ذلك فالمخابرات بهذا التأريخ الذي يدعيه الشلاه أي عام 1995 كانت معرضة لزيارات مفاجئة من فرق التفتيش الأممية لذلك كانت الاوامر صارمة في المخابرات بأن يكون الحفظ يومي ...
12. يوجد في اعلى الكتاب ثقبين صغيرين نسبيا قرب الشعار وهي ثقبين خاصين بدبوس ربط تربط به اوليات الكتاب ( واوليات الكتاب هنا : هي الكتاب الاول الذي الحق به هذا الكتاب ) في كتاب الشلاه المزور غاب وجود هذين الثقبين بسبب عمليات الغسل التي أجراها على الكتاب وايضا اللون الأصفر الذي اضافه الشلاه الى الكتاب بعمليات الفوتوشوب لكي يعطي انطباع انه كتاب قديم عمره 15 عام .
13. اما بخصوص الكتاب الاصلي الذي قام النائب علي الشلاه بتزويره وتحويله الى اعلام وغيّر تأريخه من عام 1990 الى عام 1995 ليتناسب ووجوده في الأردن وقضية رسالة الماجستير...فنقول بصدده مايلي :
1. الكتاب الاصلي صادر يوم 7 / 4 / 1990 وهو يوم سبت بحسب ايام الاسبوع وايضا عيد تأسيس الحزب الذي تقتصر الاحتفال به على الساعتين الاولى من الدوام الرسمي وقد وقعه مدير الادارة في نفس اليوم وارسل الى م م البصرة وتعني مديرية مخابرات البصرة .
2. الكتاب ملحق بكتاب آخر ارسله جهاز المخابرات يوم 6 / 3 / 1990 وهو يوم الثلاثاء .
3. الكتاب يتحدث عن قضية ادارية وقد همّش المدير في مخابرات البصرة بتنبيه الادارة في مديريته بقوله ( الادارة : تدقق المعاملات قبل الارسال ) ووقع على تهميشه .
4. كل السياقات الادارية الواردة في الكتاب الاصلي تتناسب وحقيقة العمل الاداري ولا يوجد خلل في السياقات المعمول بها في جهاز المخابرات ولا في غيره من الأجهزة .
اكتفي بهذا القدر واترك الحكم للخبراء بالادلة الجنائية وللقارئ الكريم ايضا رأيه
ملاحظات
1. اود التذكير بأن الكتاب الاصلي موجوده صورته في ارشيف المخابرات ، فقد تم تصوير كل الوثائق الخاصة بجهاز المخابرات بعد عودتها من أمريكا .( حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بجمع كل وثائق النظام السابق ونقلتها الى أمريكا وبعدها اعيدت على شكل دفعات وسلمت الى الحكومة العراقية ) .
2. لابد من القول انني بنظرة واحدة عرفت ان الكتاب مزور ولكن لا يمكنني اقناع احد اعتمادا على خبرتي فقط ، كان لابد لي من الحصول على النسخة الاصلية للكتاب لاجل مقارنتها مع الكتاب المزور ، ولهذا اجريت اتصال بأحد اصدقائي العاملين في جهاز المخابرات الحالي وقد بعث لي مشكورا النسخة الاصلية مصورة بجهاز الماسح الضوئي ( سكنر ) .
3. نصيحتي الى النائب علي الشلاه بعدم تقديم وثائقه المزورة الى الدوائر الرسمية ويكتفي بنشرها في الاعلام حيث لا يوجد في الاعلام من يسائله عليها .
4. فقط احببت ان اعرّف القارئ بنفسي بأني العقيد علي حسن الخطيب هربت من العراق الى الاردن يوم 11/6/1994 وقبلتني الولايات المتحدة كلاجئ سياسي عام 1996 وبعد وصولي الى نيوجرسي عملت مدرسا لمادة الادلة الجنائية في معهد خدمات الامن والحراسة التابع الى شركة (k.m.n ) الامنية .
صورة الكتاب الاصلي
صورة الكتاب المزور
|