من الصور الراسخة في ذاكرتي : هي جلسة والدي قبل غروب الشمس في أيام الصيف المحرقة في جنوب العراق ، بعد رش ساحة منزلنا الكبيرة « كانت ساحة منزلنا كبيرة بسبب قلة البناء في بيتنا ذو ١٥٠ مترا مربعا » فتفوح رائحة التراب والماء التي احبها كثيراً « عادة البيوت في عهد الملعون صدام تنام فوق السطوح في أيام الصيف وترش سطح الدار ، ولأن بيتنا لا سطح فيه فهو متكون من غرفة سقفها طابوق ومطبخ وصالة سقفهما قطع الحديد (جينكو) فننام في ساحة البيت » بعد رش الماء يجلس والدي على ذلك السرير «تخت» الحديدي الموضوع وسط الساحة ونجلس حوله فيمسك كتاباً لا غلاف له ممزق بعض الأوراق مائل للاصفر « عرفته فيما بعد إنه كتاب القصائد الخالدة الذي جمع مؤلفه أجمل القصائد الولائية في حق أهل البيت عليهم السلام » ويبدأ بصوته العذب وطريقة قراءته للشعر التي تجبرك على الإستماع والطرب ، خصوصا عندما يقرأ القصيدة الكوثرية ذات الإيقاع والموسيقى العجيبة مع علو مضمونها..
هذه الحادثة قبل دخولي للمدرسة ، دخلت للمدرسة وكنت أرى أبناء المعلمين منعمين وينادونهم « إبن المعلم » ، فكنت ألح على والدتي بأن أكون في مدرسة والدي وكان هدفي من وراء ذلك لأكون «إبن المعلم» ، أكملت دراستي الإبتدائية ولم أكن « إبن المعلم» بعد نضوج عقلي عرفت غاية والدي « لأجل الإعتماد على نفسي »..
كنت أرى والدي يقرأ في كتبه الدينية فلا إرادياً اقلده « بسبب تأثير القدوة » كنت أرى كتابا بارزاً أخضر اللون من أربع أجزاء في مجلدين بإسم « خلفيات من مأساة الزهراء » فكثيرا ما يقول المؤلف «قال البعض» فلم أفهم الكتاب وما مضمونه ، فسألت والدي «معلمي الأول» عن الكتاب ، فقال ستعرفه عندما يكون عمرك أكبر .
|