لا شك إن الألقابَ و العناوينَ الموجودةِ في كل المجتمعاتِ جاءت نتيجة رغبة الجماهير بتمييز بعض الأشخاص عن غيرهم لمكانة دينية او اجتماعية و حتى الاقتصادية منها و العرفية.
و هذه الألقاب و العناوين وُضِعَ لها خصائص و مميزات سواء كانت على مستوى أهل الاختصاص و المعرفة أو حتى على مستوى عامة الناس ، بمعنى إن الشخص البسيط على المستوى الفكري و الثقافي أصبح مساهماً في إعطاء هذه العناوين و الالقاب سمات و مميزات تصب ايضا في تشكيل اطارها العام و الخاص .
و الواقع عندما ندرسه بموضوعية و تجرد عن المصالح الشخصية و الانتماءات الأثنية و العرقية ، نجد إن معظم هذه العناوين و الألقاب في غير محلها و ذلك لأسباب عديدة :
1. معظم الألقاب و العناوين جاءت الى فئات تسيطر على المقدرات المالية للبلدان و أصبحت تحملها و هي فاقدة لأهم ميزة من مميزاتها وهي الشعور بالمسؤولية ، فأصبحت تحملها دون استحقاق و اختيار حر من قبل الجمهور.
2. تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ، لذلك نجد سوء الاختيار لمن يحمل اللقب او العنوان ، و دوائر الدولة خير برهان على ذلك ، من لا يملك أبسط المؤهلات العلمية يدير مديريات او وزارات تفوق امكاناته لاستيعاب المتطلبات الرئيسية لتطويرها وحل مشكلاتها و في كثيرا من الاحيان يكون بعيدا عن النزاهة و المصلحة العامة.
3. الثقافة المغلوطة لدى الكثير من الناس جعلتهم ينظرون لبعض الالقاب و العناوين بمنظار التقديس رغم مساندتها للإرهاب و الظالمين ، و كل ذلك يتحمل مسؤوليته المثقف الواعي لتنصله عن دوره في بث الوعي بين الاقران و الاهل ، و الركون الى الواقع ، و عدم محاولة التغيير ، سواء كان بطريقة التوجيه او الواقع العملي الذي يندمج فيه.
أقولها و كلي ثقة و يقين و أنا أعيش في هذا العصر المليء بالمتناقضات و الإغراءات و الانحرافات ، إننا شهدنا شخصية عظيمة ليست من الانبياء و لا من الائمة الهداة المعصومين ، و انما هي شخصية تمسكت بحبل الله المتين و بصراطه المستقيم لتجسد لنا اروع معاني الثبات و التضحية و الحكمة ، انها شخصية حملت هموم الامة و اخذت على عاقتها توحيد الصفوف ، و بث روح الانسانية ليس على مستوى الوطن فحسب ، وانما بمنطلقات عالمية تجاوزت الانتماءات الدينية و العرقية لتكون رسالة للعالم أجمع .
هذه الشخصية الغزيرة المعاني تجسدت في شخص المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الشريف) ....
عندما نستقرئ تحركات المرجع الأعلى نجدها نابعة عن حكمة ودراية ، كل تصريح و كل فتوى و كل توجيه جاء نابضاً من استيعاب كامل لهموم هذه الامة و متطلباتها. فجّرت المرجعية في أذهان المخلصين أبواب من المعرفة كنا نغفلها ؛ لأنها تتطلب توفيقات إلهية للوقوف على معانيها و إدراك أهميتها.
التاريخ يشهد و المخلصين يشهدون أن سماحته أضاف لعنوان المرجعية كمالات لا تحصى ولا تعد و منه أهمها:
1.الصبر عند البلاء ، و عدم الرضوخ و الاستسلام للشارع و ضغوطاته ,التي تفتقد الى الحكمة و تخضع للمشاعر و الضغوطات التي تمارسها بعض الشخصيات ذات الدور السلبي في المجتمع.
2. استيعاب الجميع و الدور الأبوي الواضح لكل من زار سماحته و ما يبديه من ارشاد و نصيحة .
3. الخطاب الوطني الذي لم يستطع حتى الاعداء تأويله و تفسيره وفق رغباتهم التي تهدف الى تقسيم العراق و زعزعة و حدته.
4. حياة البساطة و الزهد لسماحته اسقطت ادعاءات كل من يحاول خلط الأوراق ، و خير دليل على ذلك الحياة المتواضعة التي يعيشها أولاده و احفاده و التي لا تجاوز بيت بسيط في ازقة النجف الاشرف.
5.عدم مقابلة الاساءة بالإساءة مهما كانت النتائج و مهما كانت التصريحات التي تستهدف شخص المرجع و مكانته كعنوان ديني .
6. الإشادة العربية و العالمية بسماحته ، والدور الكبير في تقليل النزاعات الداخلية ، و ايجاد الحلول لكل معترك من شأنه زعزعة الاوضاع و خروجها عن السيطرة.
بعد هذا الايجاز لبعض الدروس العملية التي قدمها سماحة المرجع نجد إن عنوان المرجعية العليا ازداد شرفاً بالإنسان و إخلاص نيته لله عز و جل ، الانسان هو من يعطي العنوان و اللقب قيمته ، فلا حياة و لا معنى للّقب و العنوان دون روح انسانية تبني الانسان من الداخل و تجعله وسيلة لنشر الخير و الصلاح في الارض التي كانت ولا تزال ممتحن لعباد الله ايهما أفضل عملا.
و النقطة الجديرة بالذكر ، إن الدنيا أقبلت على سماحته بكل زينتها و ثرواتها لكنه أبى ان يكون ممن تستعبده الدنانير و القصور , و تمسك بطريق اجداده في بذل الغالي و النفيس من أجل المبدأ و الهدف.
|