طالما سألني الكثير مِنَ الأصدقاء وغير الأصدقاء بدوافعٍ شتّى لِمَ لا تعود الى العراق وانت دائب التغنّي به وتتقطع عليه حسراتٍ وتتلظّى شوقاً اليهِ
فأجيب مَنْ يضمنُ لي العيش البسيط فيهِ ؟ ولاسيّما اني لم امتلك شبرًا واحدا في العراق
لهذا السبب وأسباب اخرى لا مجال لذكرها تشدّني شدّا الى البقاء في المنفى مكرها لا راغباً وقصيدتي تبوح ناطقة عن ما يجول في خاطري
في هذا الصدد
دمعةٌ على العراق
ما زلتَ تحلمُ بالإيابِ الى العراقْ
كالطيرِ خفّاقاً ترفرفُ لانطلاقْ
متأجّج الأشواقِ تصرخُ في ضلوعي
ليتَ يحملني الى بلدي البراقْ (1)
إهدأْ تكادُ تهدُّ شوقاً أضلعي
حسبي ليالي البعدِ تُمعنُ في الخناقْ
صبراً جميلاً يا فؤادُ على النّوى
إنَّ الإيابَ لموطني صعبٌ وشاقْ
أنّى لمثلي أن يعودَ مكرّماً
للآنِ شبراً ليسَ يملكُ في العراقْ
اصمدْ ، تماسكْ لا تحملّني العنا
أدري بأنّكَ ضقتَ ذرعاً بالفراقْ
يا حالماً قُمًْ واستفقْ مِنْ غفوةٍ
سُدّتْ بوجهكَ كلُّ أبوابِ العراقْ
وأمامَ كلِّ مهاجرٍ حرٍّ أبيٍّ
أوصدتْ عمداً وتزدادُ انغلاقْ
إنَّ العراقَ اليوم رهنَ عصابةٍ
كالغابِ تحكمُهُ اللصوصُ فلا يُطاقْ
ما عادَ مُحتضناً بنيهِ وموطناً
للمخلصينَ لقد تمزّقَ بالشقاقْ
عاثتْ يدُ الاٍرهابِ فيهِ ودمّرتْ
مدنَ الحضارةِ في أُتونِ الاحتراقْ
وتلظّتِ الاحقادُ بينَ مذاهبٍ
ودمُ المواطنِ في شوارعِهِ مُراقْ
فغدا عراقُ المجدِ مرعىً ممرعاً
للفاسدينَ السارقينَ ذوي النفاقْ
والبائعينَ الشعبَ في سوق السياسةِ
كالعبيدِ تقادُ ذُلّاً بالرباقْ
والواعدينَ الشعب بالعيشِ الرغيدِ
وماله ُإلا المآسي من خلاقْ (2)
واللاعبينَ بهِ كلعب مقامرٍ
في كلِّ يومٍ نحوَ داهيةٍ يُساقْ
وملاذَكلِّ العاطلينَ اللابسينَ
الدينَ تمويهاً لأجلِ الإرتزاقْ
والجهلُ رانَ على ربوعهِ مطبقاً
ظُلَمٌ على ظُلَمٍ ، كأنّهُ في المحاقْ (3)
أمّا السياسيّيونَ فيهِ كأنًَّهم
في نهبهِ خيلٌ تنافسُ في السباقْ
تخذوا الخلافَ ذريعةً مابينهم
نحو المناصبِ أو لأجل الاستراقْ
باعوا العراقَ وشعبَهُ وتقاسموا
ثمن الخيانة والحقارةِ والنفاقْ
وتكشفّتْ للشعبِ أقنعةَ الخنا
عن أوجهٍ لا تستحي سودٍ صفاقْ
فإذا الهوى يحدوكَ نحوهُ زائراً
سترى الموانعَ شاخصاتٍ كي تُعاقْ
وإذا وصلتَ اليهِ مشبوبَ الهوى
لم تلقَ فيهِ مَنْ يضمّكَ للعناقْ
كيف استحالتْ فظةً وغليظةً
تلكَ القلوبُ الطهرُ والمهجٌ الرقاقْ ؟
وتظلُّ وحدكَ فيهِ ضيفاً تائهاً
فبهِ تغيّرتِ المعالمُ والرفاقْ
وترى أزقّتهُ القديمةَ قد خلتْ
فتعنُّ أحلى ذكرياتكَ في الزقاقْ
وتكادُ تجهشُ بالبكاءِ مِنَ الأسى
وتحسُّ قلبكَ ذابَ حزناً واشتياقْ
وتظلُّ تبكيكَ المناظرُ كلُّها
متمنياً لو تشربُ السمَّ الذعاقْ
متكسّر العبرات تنشجُ صارخاً
أسفاً وفي وجعٍ وداعاً يا عراقْ
أترى جموعَ التاركينَ ديارهم
فِرّوا من الويلاتِ فيهِ والاختناقْ
قد غادروهُ حينما اشتدَّ الاذى
فعليهِ ما ذرفوا دموعَ الافتراقْ
وكأنَّهُ سجنّ كبيرٌ مُرعبٌ
فقلوبهم جذلى بهذا الإنعتاقْ
وأراكَ مكتئباً تئنُّ بحرقةٍ
وتصيحُ شوقاً من بعيدٍ ياعراقْ
رجعتْ لموطنها الطيورُ ولم نزلْ
شوقاً نرفرفُ للقاءِ بلا فراقْ
نضبتْ دموعُي والخدودُ تخدّدتْ
فالى متى شوقاً الى اللّقيا تُراقْ
أهوى التنقلَّ كالفراشةِ في حقولكَ
كي أشمَّ أريجَ أرضكَ بانتشاق
أهوى الترنّمَ في جمالكَ صادحا
بين البلابل في وئامٍ وائتلاقْ
بالنخلِ حول ضفافِ نهركَ شامخا
يصطفُّ سوراً كالغواني باتساقْ
أهوى التغنّي بالفراتينِ اللذينِ
قد أحاطا حولَ خصركَ كالنطاقْ
ارفقْ بنفسكَ هل تحنّ لموطنٍ
ماتَ الحنينُ بهِ وأودى الاتفاقْ
هذي الدموعُ الهاطلاتُ كما الحيا
ليستْ بغاليةٍ تراقُ على العراقْ
رغم الجفا يبقى العراقُ لنا أباً
حاشى أكونُ لموطنِ الأمجاد عاقْ
رغمَ المرارةِ في خطوبكَ والأسى
يبقى مذاقُكَ موطني أحلى مذاقْ
وطنٌ له التاريخُ يُحني رأسَهُ
يبقى على طولِ المدى عالي الرواقْ
#### #### #####
(1) البراق دابةً ركبها رسول الله ليلةَ المعراج
(2) المحاق اختفاء القمر في أخر الشهر القمري
(3) خلاق النصيب والحظ الوافر من الخير
11/ 1/ 2018
|