• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تشيع السلطان المغولي أولجايتو .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

تشيع السلطان المغولي أولجايتو

أولجايتو أحد سلاطين المغول، أسمه محمد خدابندة بن أباقا خان بن هولاكو. 
وأولجايتو: تعني السلطان الكبير، وقيل تعني المبارك لأن في عهده وضعت الحرب أوزارها بين الدولة الإليخانية التي أسسها هولاكو في الشرق الإسلامي وبين الحكومة المغولية الأم في قراقورم. وخدابندة يعني عبد الله.
تولى خدا بندة الحكم بعد وفاة أخيه محمود غازان سنة 703هـ وكان مقره في خراسان. 
وقال النطنزي في منتخب التواريخ: إن السلطان محمد خدابنده، كان ذا صفات جليلة وخصال حميدة، لم يقترف طيلة عمره فجورا وفسقا، وكانت أكثر معاشرته ومؤانسته مع الفقهاء والزهاد والسادة والأشراف، وقد وفقه الله لتأسيس صدقات جارية، منها أنه بنى ألف دار من بقاع الخير والمستشفيات ودور الحديث ودور الضيافة ودور السيادة والمدارس والمساجد، والخانقاهات، بحيث أراح الحاضر والمسافر، وكان زمانه من خير الأزمنة لأهل الفضل والتقى، ملك الممالك
وحكم عليها ستة عشر سنة، وكان من بلاد العجم إلى إسكندرية مصر وإلى ما وراء النهر تحت سلطته. توفي سنة 717 أو 719، ودفن بمقبرته التي أعدها قبل موته في بلدة سلطانية.
أما عن سبب دخول هذا السلطان المغولي الى المذهب الشيعي فقد اختلفت الروايات في ذلك، لكن ما أود أن أذكره قبل ذكر تلك الروايات: أن المذهب الشيعي لاقى قبولا لدى أخيه من قبله السلطان محمود غازان، قال برتولد شبولر في كتابه العالم الإسلامي في العصر المغولي: ((عندما أصبح غازان مسلما كان عليه أن يختار أن يكون من أهل السنة أو الشيعة، فاختار أهل السنة.. ومع ذلك فقد عامل الشيعة بتسامح، ولم يظهر أي تعصب أعمى ضدهم، واتبع منهج المغول القديم وهو: (عش ودع الآخرين يعيشون).
ثم يقول: إن غازان كان يضمر الود والصادقة للشيعة رغم أنه أعلن نفسه من أهل السنة، فقد كان يؤيد نشاط المؤسسات الشيعية، ويزور العتبات المقدسة)).
إلا أن الشيخ جعفر المهاجر في كتابه: الهجرة العاملية الى إيران يقول: إن محمود غازان أعلن تشيعه يوم اعتلائه العرش سنة 679هـ، وضرب نقودا ذهبية كبيرة نقشت عليها آيات قرآنية وأسماء الأئمة الاثني عشر، ولكن ظلت هذه المحاولة محصورة حتى جاء أخوه أولجايتو فأعلن التشيع مذهبا رسميا للدولة.
وكيفما كان فإن كل ذلك يدل على تقبُّل ملوك المغول للمذهب الشيعي، واعترافهم به كمذهب إسلامي مثل سائر المذاهب الإسلامية الأخرى.
وقد اختلف في كيفية تشيع السلطان محمد خدابندة فقيل: أن السلطان طلَّق زوجته ثلاثا، ثم ندم على ذلك وأراد استرجاعها الى عصمته، فجمع فقهاء أهل السنة لإيجاد مخرج له، لكنهم لم يجدوا له حلا، حتى تتزوج غيره، وهذا ما لم يكن يرغب به السلطان.
فأشار عليه بعض خواصه أن هناك مذهبا إسلاميا آخر قد يجد فيه تخريجا شرعيا لما هو فيه، فطلب أكبر علماء الشيعة آنذاك الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الأسدي. 
فبيَّن له العلامة الحلي أن الطلاق يقع طلقة واحدة ولو تعددت ألفاظه وفق مذهب أهل البيت، وسر السلطان لذلك فأحب أن يتعرَّف أكثر على المذهب الشيعي فدعا الى مناظرة بين علماء المذاهب، فجرت محاورة بين العلامة الحلي من جهة وبين القاضي نظام الدين بن عبد الملك الشافعي وتاج الدين الآوي، فاقتنع السلطان بما قدَّمه العلامة الحلي من حجج وأدلة، فأعلن تشيعه، وكتب له العلامة كتابين ليزداد معرفة بالدين الإسلامي، أولهما كتاب (منهاج الكرامة في الإمامة)، والثاني: كتاب: (منهاج اليقين في أصول الدين)
وكتب السلطان الى الأمصار الإسلامية يدعوهم الى اختيار مذهبه الجديد، ولكن لم يفرض مذهبه فرضا على الناس، بل ترك الخيار للناس في القبول أو الرفض، والدليل على ذلك أنه لما امتنع بعض أهل بغداد وشيراز وأصفهان لم يجبرهم على ذلك.
أما ابن بطوطة فيقول في سبب تشيع السلطان المغولي أنه في أيام كفره صحبه الفقيه الإمامي جمال الدين ابن المطهر، فأسلم السلطان المذكور وأسلمت معه التتار، فزاد في تعظيم ذلك الفقيه وزين له مذهب الرفض –حسب تعبيره- وشرح له حال الصحابة والخلافة.
أقول: المفروض بابن بطوطة أن يفرح لهذا الانجاز الكبير الذي حققه هذا العالم الجليل، حيث أسلم على يديه سلطان مغولي والتتار كما صرَّح هو نفسه بذلك، لأن هذا مدعاة للفخر لكل مسلم، لكن مع الأسف لا تشم من نصوص ابن بطوطة إلا التحامل والتشنج والتهكم، وكأن العلامة الحلي ارتكب جريمة عندما أقنع جيشا غازيا الى الدخول الى الإسلام، وهو أمر نادر الحصول فغالبا ما تفرض القوى الغازية المنتصرة رؤيتها على الشعوب المغلوبة، لكن مع المغول جرى العكس حين تأثروا بالثقافة الإسلامية وانصهروا بالمجتمع الإسلامي، فهذا انجاز عظيم لهذا العالم الشيعي يجب أن يشكره عليه كل مسلم غيور.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112639
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13