• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المرأة في حضارة وادي الرافدين .
                          • الكاتب : حسن الجوادي .

المرأة في حضارة وادي الرافدين

حين يأخذك الحديث عن المرأة في بلاد الرافدين لا يسعك الا ان تثني الورقة بعد الورقة حديثاً شيقاً لأنك تستحضر الماضي البعيد جداً ولا غرابة ولا عجالة ان قلت ان هذه البلاد هي الماضي الاول بكل ما تحمله الكلمة من معنى حيث ابتدأ أهل سومر بتعليم الناس الحياة والتمدن ومنهم انطلقت معالم الحركة الاجتماعية وفاضت على من حولهم من الامم.
وتُحدثنا المكتشفات الاثرية عن عمق تلك الحضارة ، وتطور الانسان من حيث الفكر والثقافة والاجتماع ، مقارنة بمن حوله. بيدَ ان هذا التقدم الرهيب على المستوى الاجتماعي لم يكن يحمل قفزات هائلة تراعي جميع طبقات المجتمع آنذاك لأسباب كثيرة. كما أن الحديث عن بلاد ما وراء النهرين متشعب جداً ، اذ ان هذه البلاد تعاقبت عليها عدة حضارات تشكلت بها الرؤى المختلفة لهذه المنطقة الغنية بالتراث والقيم المختلفة قبل ان تظهر الكتابة والمعلومات، اذ تشير بعض الدراسات ان الحضارات القديمة سبقتها تكوينات أممية مصغرة كمجموعة جرمو والصوان وحسونة وسامراء ، مما يعني ان دراسة تلك الطبائع الاجتماعية ممتدة في عمق التأريخ وان تلك التكوينات كانت لها الاثر الهام في مد الحضارات.
ودراسة أحول المرأة في ذلك الوقت بصورة دقيقة يحتاج الى مصادر مختصة والى قصص وموروثات اجتماعية مدونة والى شواهد متعددة ليصل الباحث الى نتيجة دقيقة غير مكترث لما يقال ويسطر بصورة عاطفية او وطنية ، وعلى الرغم من عدم توفر كل هذه الاصناف المذكورة الا ان هنالك بعض الاثار والشواهد تمكن الباحث من الوصول الى معرفة شخصية المرأة في تلك الحضارة.
وتبدأ نقطة الانطلاقة الحقيقية من خلال البعد الايدولوجي لهذه الحضارة ، فأول مرة ظهرت عبادة المرأة في الحضارة الرافدينية في الفترة الجريمية التي استمرت أكثر من 2000 سنة المنحصرة بين 6000 قبل الميلاد و 8000 قبل الميلاد والمعبر عن هذه الفترة بالدراسات المختصة بالعصر الحجري الحديث(النيوليت).
وظهر في فترة (الصوان) المعابد التي تحوي آثاراً أنثوية وذكرية ، ثم وصولاً الى فترة (حلف) اذ أظهرت الدراسات الهة أنثوية بدينة تسمى بـ(عشتار).
وظهور الالهية الانثوية يدل على مكانة المرأة وسموها في ذلك الوقت وهذا ما ذهب اليه السير جيمس فريزر(عالم انثروبولوجيا إسكوتلندي شهير) بقوله: (ان الحالة الرفيعة للنساء مسؤولة أساساً عن تقديس وتقدير الالهة الانثى). كما يذهب بعض الباحثين العرب الى ان المرأة كانت لها مساهمة واضحة في الحياة الاجتماعية العامة ولا سيما في العمل مما يكشف عن سيطرتها وقوتها الحقيقية في تلك العصور.
وبعد ظهور حضارة سومر أخذ الوضع يختلف في بداية نشوؤها فهنالك احكام واوضاع لا تعطي للمرأة حقها الطبيعي والاجتماعي فكان يحق للرجل ان يبيع زوجته واولاده اذا لم يتمكن من اداء دينه وما عليه من تبعات اقتصادية كما يحق له ان يعاقب المرأة أشد العقاب ربما يصل للقتل اذا أخلت بواجبتها الخاصة ، ولم يسجل عن المرأة تفصيلاً مهماً في هذا الوقت الا من خلال التشريعات التي أصدرها بعض الملوك.
لكن الاضطراب من قبل بعض الباحثين حاصل حول موضوع المرأة وشأنها في هذه الفترة ومنهم من استدل على رقي مكانتها من خلال النظر في تشريعات (أورنمو) حيث توفرت على حماية المرأة من أي اعتداء ، وتظهر شرائع (أشنونا) بعض الحماية للمرأة والتي جاء فيها:
1ـ حرية الاشتغال فـي الاعمال التجارية.
2ـ منح الحرية لعبيدها دون استشارة الزوج.
3ـ لها حق الارتقاء إلى منصب ملكة أو منصب كاهنة.
4ـ - تحريم زواج المرأة من رجلين فـي آن واحد.
5ـ الزواج عقد شرعي يقترن بموافقة والد البنت وحضور الشهود.
6ـ إقرار حريه المرأة فـي اختيار الزوج.
7ـ رفض عقوق الوالدين.
ويرى بعض الدارسين ان الالهة(نانشه) كانت مختصة بسألة الصدق والعدل والرحمة ، والتي يظهر وجودها في الفترة السومرية وامتدت القوانين السومرية في الفترة الحديثة من تلك الحضارة التي تسمى أول الثالثة في عهد الملك (أور نمو) ، كما أظهرت الدراسات بعض قوانين الملك (لبت عشتار) في الفترة البابلية.
اما قوانين الملك (حمورابي) فإنها مثلت المصدر الرئيس لقراءة الواقع الانثوي في تلك الفترة ، والتي جاءت في ظرف مختلف ، والبعض يراها من القوانين العادلة بحكم صدورها في فترة لم يكن الانسان متطوراً كما هو اليوم ليتمكن من تشريع قوانين تنسجم والفطرة الانسانية ، وأهم ما جاء في هذه التشريعات :
1ـ اذا أخذ سيد امرأة ولم يعمل عقودها فان هذه المرأة ليست زوجة.
2ـ اذا زوجة سيد اتهمت من زوجها ولكن لم يقبض عليها أثناء نومها مع رجل آخر فعليها ان تؤكد بالاله وترجع الى بيتها.
3ـ اذا أسر سيد وكان في بيته من الاكل فيجب على زوجت (ان لا تترك بيتها وعليها ان تحافظ على نفسها بعدم) دخولها بيت سيد آخر.
4ـ اذا أسر سيد ولا يوجد في بيته أكل ثم ذهبت زوجته الى بيت ثان فان هذه المرأة لا ذنب لها.
6ـ اذا لم يوجد مهر للمرأة فعليه ان يدفع لها من الصداق ماناً من الفضة.
7ـ من حق الزوجة ترك البيت إذا كان الزوج قاسيا
8ـ للمرأة حرية الغدو والرواح بين الناس حالها حال الرجل.
9ـ من حق المرأة ان تمتلك الثروة وتتصرف بها بحرية.
10ـ اذا لم تلد الزوجة اولاداً فتسطيع سيدتها ان تبيعها بالفضة.
هذه بعض القوانين من قوانين الملك حمورابي ، وهل تمثل نقطة الانطلاق لتحديد الابعاد الاجتماعية المختلفة والتي حدد فيها الاطار العام لحقوق المرأة.
وهذا العصر أكثر تطوراً ونضجاً في حياة ذلك الانسان ، وتلك القوانين تكشف بداية نهوض الانسان نحو التمدن بدلاً من الخراب.
على الرغم من تطور هذه القوانين وقوتها الى ان فيها جانباً سلبياً للمرأة وبعضهم يرى الجانب الايجابي فقط دون ان ينظر الى ما سواه ، كما أن وضع المرأة في هذه الفترة لا تعكسه القوانين بصورة دقيقة ، فان القوانين تظهر الحقوق المفروضة كما هي التشريعات في مختلف الدول اليوم وليست بالضرورة ان تطبق ، وبعد ظهور هذه القوانين في سماء حضارة بلاد وادي الرافدين أخذت تؤسس حركة اجتماعية وثقافية تعطي للمرأة وجودها وأهميتها.
الملاحظ على حضارة وادي الرافدين أنها حافظت على المرأة حتى ان الكثير من الناس يربط زوجته او اخته به مباشرة فالمساس بها مساس به ايضاً وهذا الشعور ولد ثقافة حماية المرأة من الاجانب والغرباء ، وفرضت بعض القوانين البابلية والسومرية بعض العقوبات القاسية التي تصل الى الاعدام بحق من يعاكس المرأة او يعتدي عليها.
إن العراقيين استمدوا الاهتمام بالمرأة واحترامها وحمايتها والغيرة عليها من بعدين الاول هو الارث الحضاري والثقافي والفكري لبلاد وادي الرافدين والبعد الثاني تمثل فيما بعد بمنهج الاسلام الحنيف ووصاياه بالمرأة والاهتمام بها.
اذن النظر لموضوع المرأة في بلاد الرافدين من زاوية واحدة لا يوصل الحقيقة كاملة ولا يعتبر دراسة موضوعة معتبرة ، بل على الباحث ان ينظر من جهات مختلفة ويقارن تلك النتائج مع الحضارات الاخرى ، ولا يخفى ان المرأة تعرضت لأشكال من العنف في أوقات كثيرة في هذه البلاد لكنها مواقف ربما لا تعطي المؤشر العام ولا تظهر الطابع الرسمي لتلك الحضارة ، وانصافاً ان القوانين التي شرعت مثلت مرحلة متطور للاهتمام بالمرأة وابراز كيانها وذاتها كشخصية تستحق التقدير في الحياة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112373
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14