• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من مستشار للامبراطورية الإسلامية إلى منظف مراحيض   .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

من مستشار للامبراطورية الإسلامية إلى منظف مراحيض  

 ينحدر يوحنا الدمشقي من عائلة كانت نافذة جدا في الامبراطورية البيزنطية فقد شغل جدّه منصور مركز مدير المالية العام وتبوأ حاكمية دمشق في زمن الإمبراطور البيزنطي موريس (موريق) وحتى زمن هرقل . أما والده سرجون فولاّه معاوية بن أبي سفيان ديوان المالية، في سورية أولاً ثم في سائر أرجاء الدولة الأموية. وقد استمر في وظيفته إلى خلافة عبد الملك بن مروان أي ما يزيد على الثلاثين عاماً كان خلالها اضافة إلى مناصبه في الدولة الاموية زعيم المسيحيين في دمشق.

من هنا لعلي لا ابالغ إذا قلت ان الدولة الاموية قامت على اكتاف اليهود والنصارى ، فقد كان البلاط الاموي يعج بهم ولعل ابرزهم واقدمهم هو يوحنا الملقب بالدمشقي ولد عام 676 في دمشق خلال حكم الدولة الأموية، كان هو وجده وأبيه من كبار مستشاري الدولة الأموية وكانت شؤون ادارة الدولة بيدهم منذ عهد معاوية ابن ابي سفيان وحتى حكم هشام بن عبد الملك ثم دمج لهم الخلفاء إدارة مالية الدولة الإسلامية فأصبح رئيسًا لديوان الجباية المالية ثم أصبح مسؤولاً عن الضرائب الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط برمتها (1) ثم كاتم اسرار الخلفاء .

ومع أن الأمويين اعتمدوه في هذه المناصب الخطيرة ووضعوا ثقتهم فيه إلا أنه كان يكيد للإسلام من الداخل فكتب مجموعة من الكتب وهو في منصبة في الدولة الأموية حيث اعتبرت هذه الكتب اساس لمناقشة المسلمين حول دينهم (الاسلام)الذي يعتبره يوحنا نسخة عن المسيحية المهرطقة. والكتابين تحت عنوان : (محاورتان بين مسيحي ومسلم) و (الهرطقة المئة)(2) وكان الغرض من هذين الكتابين أن يكونا مستندًا مساعدًا في مناقشة المسلمين ودحض دينهم، شدد فيها على كون المسيح ابن الله وحرية الإرادة الإنسانية التي أنكرها الأمويون(3) والذي وضع فيه مائة دليل اعتبر فيهما الإسلام نوعًا من المسيحية المهرطقة ومحمد تعلم على يد كاهن اريوسي.(4)

أفكاره الغادرة والمتطرفة جدا هي التي صاغت شخصية يزيد بن معاوية حيث نشأ يوحنا ويزيد بن معاوية معاً، وتعلّق أحدهما بالآخَر. و كانا يتردّدان تارة إلى قصر سرجون في بستان القط، وتارة إلى أحد الأماكن المحبّبَة إلى يزيد في ضاحية دمشق دير مرّان. وهكذا كانت حياتهما كلها قصف ومجون . وقد وصفت المراجع المسيحية العلاقة بين يوحنا الدمشقي ويزيد بن معاوية بأنها صداقة حميمية جدا.وقد بلغ من ثقة يزيد بيوحنا انه سأله عن ولاية الكوفة لمن يعطيها بعد خروج الامام الحسين عليه السلام فأشار عليه بعبيد الله بن زياد.(5)

اتفقت المراجع الاسلامية والمسيحية على أن يوحنا الدمشقي كان يحمل حقدا غريبا على الاسلام لانه يعتبر الشام اهم قلعة من قلاع المسيحية تهاوت على ايدي المسلمين. ولذلك كان يعمل في البلاط الاموي ولكنه سرا كان يكيد للدولة الاموية . وقد انكشف امره عندما أصدر الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز قانوناً حظّر فيه على المسيحيين أن يتسلّموا وظائف رفيعة في الدولة ما لم يعتنقوا الاسلام، ولكن يوحنا تمسك بمسيحيته وتخلى عن مناصبه في الدولة الاموية.

وبطريقة ما تسربت إحدى رسائله التي ارسلها إلى امبراطور الدولة البيزنطية (لاون الإيصوري) والتي كتب فيها اسرار البلاط الاموي ويُحرض الامبراطور على غزو الشام وتعهد يوحنا ان يفتح له ابواب الحصون. ولكن الرسالة وصلت إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز فلما اطّلع على الرسالة استبدّ به الغضب الشديد وأرسل في طلب يوحنا وواجهه بها، فأمر الخليفة السيّاف بقطع يده اليمنى وتعليقها في ساحة المدينة العامة. ثم قام بطرده من البلاط الاموي . وبالحيلة استردّ يوحنا يده المقطوعة متذرعاً بضرورة دفنها فأخذها ودخل بها إلى بيته.
وهنا تبدأ الاسطورة التي وضعها المسيحيون تكريما ليوحنا الذي كان يتجسس لهم على البلاط الاموي، حيث يقولون بأن يوحنا ارتمى عند تمثال مريم العذراء ام الإله جاعلاً اليد المقطوعة على مفصله، وصلّى بدموع غزيرة لتردّها له والدة الإله سالمة ثم غفى ولما استيقظ يوحنا من النوم اكتشف أن يده قد عادت بالفعل صحيحة .

يوحنا الدمشقي أول من كتب يهاجم الإسلام ويتهم الرسول (ص) بأنه نبى مزيف ألَّف القرآن بالاستعانة بكتب اليهود والنصارى ثم ادعى أنه رسول يُوحَى إليه من السماء. ويوحنا رائد الجدل التنصيري ضد الإسلام، وأصبح ما كتبه فيما بعد ركيزة من ركائز المجادلون من المنصّرين والمستشرقين الذين جاؤوا بعده يستعينون بأكاذيبه وتشنيعاته ويرددون كثيرا منها إلى هذا اليوم.

بعد ان تم طرده من البلاط الاموي لجأ يوحنا الدمشقي إلى الأديرة والكنائس ولكن كبار رجال الدين المسيحي كانوا يعرفونه ويعرفون خطورته فعندما جائهم مطرودا قاموا بتعيينه (منظف مراحيض) في أحد الأديرة.

وهكذا نزل يوحنا الدمشقي من منصب مُدبّر الدولة الإسلامية إلى منظف مراحيض في احد الأديرة ، وبعد موته اكتشف بعض القساوسة كتبه التي ألفها ضد الاسلام واعتبرها اساسا لنقاش المسلمين حول دينهم الهرطوقي حيث كان يوحنا يعمل وسط المسلمين وعرف كل نقاط ضعفهم وضعف دينهم (6) فغيّر القساوسة نظرتهم على يوحنا بعد موته ورفعوا مرتبته من منظف مراحيض إلى قديس.

بكل بساطة نفهم ان الدولة الاموية هي اول من أسس الاعتماد على المستشارين اليهود والنصارى ولذلك نرى كل الدول التي تسير على النهج الاموي تستعين بالغرب كمهندس اساس لانظمتها .

المصادر والتوضيحات : 
1- القديس يوحنا الدمشقي، الحكواتي، 8 تشرين ثاني 2010.
2- وإكراما له على هذين الكتابين اطلقوا عليه عدة القاب منها (نهر الذهب و يوحنا الذهبي الفم).
3- تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين، فيليب حتي، ترجمة كمال اليازجي، دار الثقافة، بيروت 1983، ص.116.
4- الهرطقة هي البدعة ، وهذا يعني ان يوحنا يعتبر الاسلام نوع من أنواع الهرطقات المسيحية المنشقة عنها. 
5- ويُقال ليس يوحنا بن سرجون من اشار بذلك بل ان سرجون هو من اشار على يزيد ان يولي عبيد الله بن زياد الكوفة. ولا فرق فهؤلاء كلهم نصارى يُكيدون للاسلام. أنساب الأشراف 5 / 407، تاريخ الطبري 3 / 280. 
6- طبعا يوحنا الدمشقي يقصد نقاط ضعف الاسلام ، هو الإسلام الاموي الذي صنعه بنو أمية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=112222
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13