إنّ عصرَ الرّجعة - كما يظهر من الأخبار - متزامنٌ مع الظّهور المقدّس لحجّة الله الأعظم (عجّل الله فرجَه)؛ حيث يرجع قومٌ لمعونته، ويتمدُّ عصر الرّجعة إلى يوم القيامة.
وقد وقع النّزاع بين الأعلام - تبعاً لاختلاف الرِّوايات - في اختصاص الرّجعة بـ« مَن محضَ الإيمان محضاً، ومحضَ الكفر محضاً »، وعمومها لكلِّ البشر.. حيث ذهبَ جمهور الإماميّة إلى الأوّل، وذهب جماعةٌ من المتقدِّمين والمتأخّرين إلى الثّاني.
فهل الشّهيد المحسن (عليه السّلام) ممّن يرجع إلى الدّنيا أم لا؟
أقولُ: بناءً على عموميّة الرّجعة، فثبوت رجعة المحسن (عليه السّلام) واضحٌ جداً، وأمّا بناءً على خصوصيّتها؛ فيمكن إثبات رجعته (عليه السّلام) بوجوه، نذكر أحدها:
رُويَ عن المفضّل بن عُمر، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) أنّه قال - في خبرٍ طويل يشرح شؤون الرّجعة وأحداثها -:
« ويأتي محسنٌ مخضّباً بدمِه، محمولاً، تحملُه خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد - وهما جدّتاه -، وأمّ هانئ وجمانة - عمّتاه - ابنتا أبي طالب، وأسماء ابنة عميس الخثعميّة، صارخات، أيديهنّ على خدودهنّ، ونواصيهنّ منتشرة، والملائكةُ تسترهنّ بأجنحتِها، وفاطمةُ أمّه تبكي، وتصيح: {هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، وجبرئيل يصيح، ويقولُ: مظلومٌ فانتصر، فيأخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) محسناً على يديه رافعاً إلى السّماء، وهو يقولُ: إلهي، صبرنا في الدُّنيا احتساباً، وهذا الـ{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًاً}..».
قال المفضّل: صدقتَ يا مولاي، ثمّ ماذا؟
قالَ: « ثمّ تقرّب سيّدةُ نساء العالمين فاطمةُ يدها إلى ناصيتها وتقول: اللّهمَّ انجِزْ وعدَك لي فيمَن ظلمَني، وغصبَني، وضربَني، وجزّعني ثكلَ أولادي. فتلبّيها ملائكةُ السّماوات وحملةُ العرش وسكّان الهواء ومَن في الدُّنيا وبين أطباق الثّرى، صائحين لصيحتها، صارخين لصيحتها وصراخها إلى الله تعالى، فلا يبقى أحدٌ ممّن قتلَنا إلّا قُتل في ذلك اليوم، كلّ واحد ألف قتلة، يذوق في كلّ قتلة منها من العذاب ما رآه من ألم القتل سائر مَن قُتِل من أهل الدُّنيا.. »[١].
______________
[١] الهداية الكبرى - مخطوط -، ص٣٤٣؛ بحار الأنوار، ج٥٣، ص٢٣؛ نوائب الدّهر، ص١٩٢.
|