رجاء حميد رشيد
تتهاوى قامات الفن العراقي واحدا تلو الآخر، تاركين للمكتبة الثقافية إرثاً فنياً وثقافياً زاخراً بالإبداع تضيف للأجيال اللاحقة مصادر فنية تساهم في صقل موهبتها. ومن بين هذه القامات الفنان العراقي والمسرحي الرائد والناقد والكاتب والممثل الكبير يوسف العاني الذي وافاه الأجل في يوم الاثنين 10/10/2016 عن عمر ناهز 89 عاماً في مستشفى بالعاصمة الأردنية عمان, وأقامت له وزارة الثقافة والسياحة والآثار تشييعا مهيبا يليق بفنه وإبداعه.
ويعد العاني من أبرز فناني المسرح والسينما في العراق منذ أربعينيات القرن الماضي، لقب العاني بفنان الشعب واشتهر ممثلاَ ومخرجاَ، حيث أعد ومثل العديد من المسرحيات، وكتب في النقد الفني، وشارك في كتابة العديد من قصص الأفلام العراقية والعربية، من أشهر الأعمال المسرحية العراقية، مسرحية "النخلة والجيران" 1968 عن رواية الكاتب غائب طعمه فرمان، "وألبيك والسائق" المعدة عن مسرحية بونتيلا وتابعه ماتي للكاتب المسرحي الألماني برتولد برخت، و"الإنسان الطيب"، و"بغداد الأزل بين الجد والهزل" والشريعة والخرابة ،أني أمك يا شاكر نفوس المفتاح ومسرحيات ذات الفصل الواحد قاربت العشرين منا راس اشلسله وتؤمر بيك وفلوس الدوه وست دراهم.
أما في السينما فقد رافق العاني السينما في العراق منذ بداياتها الأولى وكان العنصر الفاعل وراء ولادة أحد أهم الأعمال الواقعية في السينما العراقية وهو فيلم"سعيد أفندي" الذي أخرجه كاميران حسني عام 1957، المأخوذ عن قصة شجار للكاتب العراقي أدمون صبري، وقد مثل العاني الدور الرئيسي فيه كما كتب حوار الفيلم, ،ومن أبرز أفلامه، و "وداعاً لبنان" 1967، و المنعطف للمخرج الراحل جعفر علي عن رواية خمسة أصوات لغائب طعمه فرمان 1975، و"المسألة الكبرى" لمحمد شكري جميل 1983، واليوم السادس 1986 وبابل حبيبتي لفيصل الياسري1987، و"ليلة سفر" لبسام الوردي وفيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين.
كما رفد الفن المسرحي العراقي بعشرات المسرحيات مسرحيات أبرزها "مسمار جحا" 1952، و"تموز يقرع الناقوس" 1968، و"النخلة والجيران" 1968، و"ولاية وبعير" 1971، و"البيك والسائق" 1974، و"بغداد الأزل بين الجد والهزل" 1975، و"القربان" 1975، و"مجالس التراث" 1980، و"الليلة البغدادية مع الملا عبود الكرخي" 1983 و"الإنسان الطيب" 1985، ويبرز العاني في العشرات من المسلسلات العراقية مثل "يوميات محلة"، و"الأيام العصيبة"، و"حكايات المدن الثلاث"، و"أحفاد نعمان"، و"الانحراف"، و"الكتاب الأزرق"، و"الحضارة الإسلامية" و"ا لجراح"، إضافة لمؤلفاته الكثيرة حول المسرح والسينما منها "المسرح بين الحديث والحدث" 1990، و"بين المسرح والسينما" 1967، و"مسرحياتي" 1960، و"التجربة المسرحية معايشة وحكايات" 1979، و"عشر عن السينما، مسرحيات" 1981، و"سيناريو لم اكتبه بعد" 1987 و"شخوص في ذاكرتي" 2002.
تميز العاني بنهجه الواقعي النقدي في أعماله الفنية والتزامه بالتعبير عن هموم الفئات المسحوقة في المجتمع العراقي، وقدرته على التقاط خصوصيات الحياة العراقية وشخصياتها الشعبية التي يقدمها بطريقة نقدية ساخرة.
ويمكن تقسيم منجز العاني في الكتابات المسرحية إلى مرحلتين الأولى التي سبقت الإطاحة بالنظام الملكي في العراق عام 1958، حيث قدم مجموعة المسرحيات الاجتماعية القصيرة من أمثال "رأس الشليلة" 1951 و"حرمل وحبّه سوده" 1952 "أكبادنا" 1953 و"تؤمر بيك" 1953 و"فلوس الدواء" 1954 و"ستة دراهم" 1954 و"آني أمك يا شاكر" 1955، وغلب على الكثير منها الطابع الكوميدي الساخر، كما يمكن تصنيف بعضها في سياق المسرح السياسي والتعبير عن اهتمامات الأحزاب الوطنية العراقية الإيديولوجية في تلك الحقبة،وفي المرحلة الثانية بدت مسرحيات العاني أكثر نضجا لاسيما بعد تعرفه على المسرح الملحمي لدى برخت وتأثره به، ومن أبرز أعماله في هذه المرحلة "المفتاح" و "الخرابة" و"صورة جديدة" و"الشريعة" و"الخان"" ومنذ خمسينيات القرن الماضي كتب العاني ومثل في العديد من التمثيليات والمسلسلات التلفزيونية ومنها "رائحة القهوة" و"عبود يغني" "بلابل" "ثابت أفندي" وغيرها.
عمل مديرا لمصلحة السينما والمسرح في العراق التي أسست في العراق أواخر خمسينيات القرن الماضي ونال العديد من التكريمات والجوائز العراقية والعربية والدولية في حياته الفنية الحافلة بالإبداع والتأسيس الكبير لمساحة واسعة من المشهد الثقافي العراقي طوال 75 عاما، رحل جسدا ولكنه بقي شاخصا في ذاكرة الفن والمسرح وفي قلوب جمهوره العراقي والعربي.
شارك العاني عضوا في لجان تحكيم العديد من المهرجانات المسرحية العربية، كما ترأس لسنوات طويلة المركز العراقي للمسرح، وكرم عام 1987 في مهرجان أيام قرطاج المسرحية بتونس بوصفه أحد رواد المسرح في المنطقة العربية.
امتدت حياة العاني الفنية على مدى أكثر من نصف قرن، وارتبط باسمه عدد من ابرز المحطات في الحياة الفنية العراقية في المسرح والسينما والتلفزيون، ويحلو للبعض أن يطلق عليه لقب "فنان الشعب" الذي جسد همومه وآماله في أعماله.
ولد العاني في بغداد عام 1927 في منطقة عانه بمحافظة الأنبار غربي العراق وعاش معظم حياته في محلة سوق حمادة الشعبية وسط بغداد، وتخرج من كلية الحقوق في بغداد، فضّل التمثيل الذي بدأ مزاولته هاويا في المدرسة الإعدادية لذلك كان يحتفل طوال السنين الماضية بصعوده خشبة المسرح المدرسي لأول مرة في 24 شباط عام 1944 ومثل يومذاك دور "يوسف الطحان" في مسرحية من أعداده وإخراجه، ومنها انطلقت رحلته الطويلة مع التمثيل كاتبا وممثلا ومخرجا في الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما، و شهدت دراسته الجامعية بدايات انطلاقته الفنية عندما أسس أول فرقة مسرحية, فرقة الفن الحديث، أحدى ابرز الفرق المسرحية في العراق، التي أسسها بالاشتراك مع الفنان الراحل إبراهيم جلال عام 1952.
19/10/2017
|