النُّموذج الثَّاني؛ همُ الذين ينتظرون طُوالَ حياتهِم من يُعلِّق الجرس ويتصدَّى للمسؤوليَّة ليتَّبعوهُ ويسيرونَ خلفهُ! فاذا علَّق أَحدٌ الجرس وحملَ الرَّاية قالوا [ليسَ وقتها] أَو أَنَّهُ تأَخَّر فلا فائدة الآن من التَّصدِّي! كما وصفهُم أَميرُ المؤمنينَ (ع) {فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ!}.
كما وصفهُم في خطبةٍ لَهُ عندَ علمهِ بغَزوةِ النُّعمان بن بشير صاحب مُعاوية لعَين التَّمر؛
{مُنِيتُ بِمَنْ لاَ يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ، لاَ أَبَا لَكُمْ! مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ؟ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ، وَلاَ حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ؟! أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً، وَأُنادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً، فَلاَ تَسْمَعُونَ لي قَوْلاً، وَلاَ تُطِيعُون لِي أَمْراً، حَتَّى تَكَشَّفَ الاُْمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَساءَةِ، فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ، وَلاَ يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ، دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الاَْسَرِّ، وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ الْنِّضْوِ الاَْدْبَرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)}.
إِنَّ المرء الذي يشعر بالمسؤُوليَّة ويعيشها في عقلهِ ووجدانهِ وكيانهِ لا ينتظر من يعلِّق لَهُ الجرس أَو يرفع أَمامهُ الرَّاية ليسيرَ خلفها، فالمسؤُولية هي الجرس وهي الرَّاية التي يجب أَن يلبِّي نداءها ويسير خلفها الانسانُ مازال مسؤُولاً واعياً لدورهِ في الحياةِ كما في قولِ الله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
لقد خلقَ الله تعالى الانسان وخلق معهُ المسؤوليَّة وعلى مستويَين؛ المستوى الفردي [الشَّخصي] والمستوى العام [الاجتماعي] وعليهِ أَن يهيِّئ كلَّ الظُّروف اللَّازمة لتحمُّل المسؤوليَّة فاذا صادفَ أَن أَعاقهُ عائقٌ من نوعٍ ما حال بينهُ وبين أَن يتحمَّل المسؤوليَّة إِزاء نَفْسهِ أَوَّلاً فانَّ عليهِ أَن يفعل ما بوسعهِ لإزالةِ العائِق فلا يستسلِم أَو ينهار! ولذلك قيل أَنَّ المرء قد يولدُ فقيراً بلا إِختيارٍ مِنْهُ! أَمَّا الاستمرار على الحالِ فخَيارهُ بيدهِ! وكذا على مُختلفِ المستوياتِ والحالاتِ الأُخرى!.
كذا الحالُ على المستوى الاجتماعي فعندما تعيقُ الأَسباب كرامة المجتمع وتمتُّعهُ بحريَّتهِ يلزم أَن ينهض بالمسؤوليَّة المُصلحون لإزالةِ هذه الأَسباب وإِلَّا فانَّ المجتمع، كلَّ المجتمع الذي سيعيش الذلَّ والهوان، يتحمَّل المسؤوليَّة كاملةً!.
لقد خرجَ الحُسينُ السِّبط (ع) لإزالةِ أَسبابِ الذلِّ والهوانِ والعبوديَّةِ على المستويَين الفردي والاجتماعي! فبمجرَّد إِعتلاء الطَّاغية يَزيد سدَّة الحُكم فانَّ ذلك كان بالنِّسبةِ لَهُ (ع) نذيرٌ بتحمُّل المسؤوليَّة والتصدِّي للاصلاح والتَّغيير من دونِ أَن ينتظرَ الآخرين ليبادِروا أَو أَن ينتظرَ من أَحدٍ ليمنحهُ إِجازة التَّصدِّي وشرف الخُروج وشرعيَّة النُّهوض!.
فعندما يفرضُ الحاكمُ البيعةَ على النَّاسِ ويُكرههُم على الطَّاعة فانَّ ذلك يلثم من حريَّتهم وكرامتهُم! إِذ لا ينبغي إِكراه المجتمع على طاعةِ الحاكمِ بالضدِّ من إِرادتهِ فكيف إِذا كان الحاكِمُ ظالماً ومُستبدّاً؟!.
النُّموذج الثَّالث؛ همُ الذين يستعجلونَ النَّتائج!.
لقد كان واضحاً في كربلاءَ أَنَّ النَّتائج الآنيَّة لم تكُن لصالحِ الحُسين السِّبط (ع) بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ! ولذلك أَقولُ بأَنَّ الذين يستعجلونَ النَّتائج لو كانوا حاضرينَ في كربلاء في يَوْمِ عاشُوراء لكانوا قد خذلوا الحُسين السِّبط (ع) ولم يورِّطوا أَنفسهُم معهُ!.
يُخطئ مَن يستعجل النَّتائج خاصَّةً في المُنعطفات التَّاريخيَّة! فلقد حكمت سُنَنُ الله تعالى على أَن تأخذ مداها الزَّمني رغماً عن البشر! ولذلكَ قيل [مَن يضحك آخِراً] أَو [مَن يبكي آخراً] لأَنَّ {الأَعمالُ بِخَواتيمِها} كما في الحديثِ عن رَسُولِ الله (ص)!.
لو أَنَّ كلَّ واحِدٍ منَّا استعادَ ذِكرياتهُ بشأنِ حَوادثَ مُرَّةٍ عاشها ليُلاحظَ خواتيمَها وعواقبَها فسيعرف كم عانى منها لحظتَها إِلَّا أَنَّهُ في نِهايةِ المطاف كسبَ الجولةَ فضحِك بَعْدَ أَن بكى لحظتَها فيما بكى الطَّرفُ الآخر في نِهاية المطاف بينما ضحكَ لحظتَها!.
إِنَّها طبيعة الحياة وأَحداثها وبلاءاتَها وامتحاناتها! ولذلك لا ينبغي أَن نستعجلَ النَّتائج أَبداً! فعندما نثقُ بقراراتِنا ونسيرُ بخُطىً ثابتةً فيلزم أَن نتأَكَّد بأَنَّ الخواتيم هي لصالحِنا حتَّى إِذا دفعنا ثمناً رُبما غالياً لعبورِ الحدثِ والمُنعطفِ!.
٤ تشرين الاوّل ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
|