لازالت الارض تنبت بذرتها ولازالت معطاءة تقدم الامس والحاضر والمستقبل ولادة الى ابد الخير ..حينما نستنطق اللغة الفنية بجماليتها تستحضر المسميات وشخوصها فكانت مدن العراق ملهمة وابرزها العاصمة بغداد والبصرة الفيحاء وموصل الحدباء الا اننا لانستثني الحلة والنجف وكربلاء ام واسط وصلاح الدين ومدنه الاخرى ..فالتجارب الخطية وان كان بعضها عشوائي او تزامني يعنى بالرغبة من خلال الادراك الحسي الذي يمكن قياسه الا ان التجربة العملية لاي خطاط ومنهم (علي البغدادي) الذي عرف بتواشج اطلاعاته على نتاج الخط الفارسي وتجاوره بالفن العراقي اوجد لنا تعالقا من خلال تلك التزامنية المتوازية وشعورا لاشغال الساحة الفنية ورفدها بانظمة اضافت الكثير من اشكال الخط الفارسي( التعليق) كونه ديدن وصف الحضارة الاسلامية الفارسية الصرفة في حين ان الساحة العراقية ساحة الخطوط الشاملة من (الثلث والنسخ والاجازة والديواني ونستعليق وغيره)لذا ان الاطلاع على تجارب الخطاطين العراقيين ليس بمنأى عن غيره لكنه تزامن امتلك السمة الغالبة في ذروتها المادية وهذا مااتسمت به مخطوطاته في عنادها وشجاعتها بوصفها تجربة جمالية تعنى بالتفرد في استخدامه الخامات المختلفة او تقنيات تنفيذ خطوطه على الجدران والحجر والاخشاب ناهيك عن الورق المقهر وكذلك استخدامه نوعيات مختلفة من الطومار وبحجوم دقيقة وعريضة امتثلت او ماثلها نحو ضروب من ولادة ايقاعه (مثاله تشكيلات حرف العين النهائية او حرف الخاء او الحاء في سلسلة من الاتجاه الموحد نحو العمود الشاقولي او العمود الافقي ) والايقاع نمط يتكرر في عدد من المواضع في اللوحة الخطية او الكتبة ويؤكد فيه عنصر ثم يعقبه سكون او فترة كما الافتار , واذ نجد ان اللونية او التكوين او تكرار حرف ليشكل تلك الايقاعية فهي تقوي العمل اثر حصوله على الحركة في المكان والحركة بعد فلسفي وجمالي كما الضد منه السكون .
ان السمة الزمانية سمة اخرى تضاف الى سمة المواشجة وسمة الايقاع في مخطوطات البغدادي بوصفها نمط جيو خطي (يبحث في جغرافيا الحرف )من حيث تراكبه واعتماد توافقه واتجاهه وهذا ماتذهب اليه اغلب خطوطه المصورة والمنحوتة , فلا غرابة ان تشكل القوة في الحرف قوة الخطاط ويتبعها اعتماد الفكرة والموضوع والتعبير كونها لوحة يجب ان تمتلك خصاص بنيتها بطريقة تثري وتنزح الى الوضوح والدقة والمقرؤية , واعتماد حركة خارجية ثنائية الاتجاه من الخطاط الى المتلقي وبالعكس وايضا وهي ليست بمعزل عن الحركة الداخلية التي اتجهت ايضا من فضاء اللوحة واليها وهذا يشكل انسيابية عالية في كلتا الحركتين مما يؤدي الى الاحساس بالجمال كما وصفها (روجر فراي) تسهم الحركة في تحقيق وحدة الاحساس في تجربة المشاهد ) .
لقد اعتمد (البغدادي)لغة التمظهر الفني في الخط العربي كونه مجال خصب للحديث عن التجربة الجمالية والتقنية او مايعرف بالواقع المنظور اذ يلجاأ(البغدادي ) الى تبيان العديد من التجارب فلا يسعى الى التمظهر الفني لشخصه بل الى تبيان الاثر الخطي في واحة السجال وان الجدلية العالية بين التقنية والجمالية واقع تمثله الخطاط . فجاءت اغلب اعماله خلاقة لاتبحث عن ناقد او متلقي وانما تتماهى طوعا في نفوس مريديه لما لقوة الحرف المتقن وتراكيب حروفياته المرسلة , فهو كغيره يختلف ويتساوى ويتفرد في ابنية الانشاء والتكوين اي بمعنى اخراج اللوحة فاحيانا لايمكن ابعاد انظارنا عما يدور في مخيلته من سرد خطي او حتى ميتا سرد خطي في محاولة منهم لتسجيل الاثر بعد الاثر , بمجرد الانتقال الفني والحركي الباعث عن التغيير الثابت في سمات وخصوصية اللوحة , واضحى يشكل حجر زاوية ذو تيار له هويته الفنية وبصمته الغالبة في الابداع , وكما اسلفنا يعد مثابرا دؤوبا طموحا في تشكيلاته لانها العنوان الاقرب والاصعب في الامساك بحدود اليات التواشج والايقاع في مفاهيم نصوص الخطوط العربية على اختلاف انواعها السالفة , وجعل من النص الخطي نصا جماليا في متابعته ومرة نصا تقنيا في مجاراته اي انه امتلك لغة الابتكار بحدود الخط العربي .
|