هم مثلنا اعتادوا الإحتفاء بالأعياد والمناسبات، واكتشفتهم يمارسون مثلنا العادات والتقاليد الشعبية... ورأيتُ صديق جدي الوقور مبتهجا، سألته: ما القضية ياشيخ؟ أجابني جدي: اليوم دخول السنة... قلت: وماذا يعني عيد الدخول؟ قال: هي مناسبة يقوم الناس فيها بتبادل الزيارات، وزيارة المراقد، والخروج الجماعي الى البساتين؛ عوائل يحملون الفُرُش والشاي و(السماورات)... قلت: يا جد هل لدخول السنة طقوس عبادية عند أهالي كربلاء؟ أجاب أحد الشهداء: اعتادَ أهلُ كربلاء استقبال السنة الجديدة بتلاوة القرآن والأدعية لفتح أبواب الرزق، وتحقيق الأجيال، متضرعين متبركين لله، ويعتبره أهل كربلاء عيدا... قلت: أليس عيد نوروز يا جدي؟ قال: نعم يا بني؛ فاليوم عندنا (عيد نوروز)، وهو أول يوم من السنة الشمسية، ويعد عندنا يوم بهجة. قال أحد الشهداء:ـ كانت بيوتات كربلاء تعد الأواني الكبيرة لدخول السنة؛ (صينية) فيها خضراوات، ولابد أن تحتوي سبعة أشياء تبدأ بحرف السين! قلت: لِمَ ياجد؟ قال: يا بني هذا جزء من الموروث، وتفسير هذه الظاهرة عبارة عن تأويلات، كما هي عندكم في لغة الصحافة. عقب شهيد آخر: كانت الأشياء السبعة عبارة عن (سمسم، سكر، سمك، سلق، ساهون، سماق، سبزي) والبعض يضع نقودا معدنية؛ لكون اسمها (سكة) وهي بالسين ايضا. وعقب شهيد آخر: كانت الأمهات يحضرن (المشربات) جمع (مشربة) قبل المناسبة، وتزرع بالرشاد، وكذلك تُسمى المشربات (تُنگ) جمع (تنگة) وهي عبارة عن دوارق طينية صغيرة، تشد الوسط بقماش، وفيها حبوب الرشاد، فلذلك نراها خضراء. قال صديق جدي الوقور: هل تعلم يا بني؟ إن هذه (المشارب) كانت بنوعين، نوع للإناث، ونوع خاص للذكور، فلكل انثى من العائلة لها مشربتها الخاصة بها، لا يحق للذكور استخدامها. قلت: ياجد وهل كانت العائلة العراقية تجتمع في وقت محدد مثلا للغذاء أو للعشاء؟ قال: يابني هذه تحدد بدخول السنة نفسها، وكانت العوائل تأخذ الأخبار عن طريق تناقل الخبر، ومصدره مرجعية موثوقة من أصحاب الخبرة والإختصاص، وكان الناس يترقبون دخول السنة على حيوان من الحيوانات، يتفائلون بها كالبقرة والحمام كالعصفور والبلبل، ويتشائمون بدورتها على الدجاج والكلب والخنزير... قلت: ياجد وهل كان أهالي كربلاء أيام زمانكم يعدون أكلات خاصة بهذه المناسبة؟ قال: هناك (خضر الياس) ويجهز في هذا اليوم الكيك، والشكريات، وكان أجودها في محال مشهورة مثل: محل الحاج جواد الشكرچي... قال أحدُ الشهداء معقبا: كان الناس مولعين باللون الأبيض في هذا اليوم في الأكل؛ فلذلك يعد اللبن من ضروريات المائدة، لكونه أبيض يمثل النقاء، وكانوا يطبخون (الزردة) التي يضعون فوقها طبقة حليب وهو أبيض، ويتم بعد ذلك توزيعها للجيران... قلت: هذا الطقس الإجتماعي يذكرني بـ(حلال المشاكل)؟ قال الجد: هناك فرق واضح يا بني؛ فـ(حلال المشاكل) يقام كل رأس شهر عربي، وهو عبارة عن (كرزات ومكسرات) على شرط أن يكون فيها الكشمش... وكان الكربلائيون يسمونه (بيبي ثلاثاء) البعض يعملها مائدة غداء باسم إمام او من بيت آل الرسول (ص) والمشهورة (سُفرة رقية)، وفيها (حلال المشاكل)، وبعض المحلات في كربلاء أخذت شهرة واسعة في بيع (حلال المشاكل)؛ كمحل أبو معاش، والكمية عند الناس لاتعني شيئا، فهناك عوائل تقيم طقسها بدرهم! ثمة نادرة يا بني في (حلال المشاكل)، إذ كان مختصا بالنساء، والذكور يمنعون من تناول (حلال المشاكل) لكونهم يعتقدون ان الذكر لو أكل من (حلال المشاكل) سيتعرض للشر... وأكمل الجد: كانت أم البيت تضع (حلال المشاكل) في اناء، وتبدأ بسرد حكاية عبد الله الحطاب، وبعدها تطلب منهم الصلوات سبع مرات، وهي تقلب (حلال المشاكل) سبع مرات... قلت: يا جد وما هي قصة عبد الله الحطاب؟ ضحك الشيخ الوقور صديق جدي وقال: رجل حطاب اتهمت ابنته بسرقة عقد ابنة الملك، والذي علقته على شجرة، فعلق به غراب وطار؛ فسجن الحطاب بتهمة سرقة ابنه، مرّ ذات يوم عليه أحد المباركين في الرؤيا، فقال له: تحت فراشك وضعت نقودا، أبعثها للسوق ليشتروا لك (حلال المشاكل)، وقال المبارك: انك ستكلف رجلا يعاني ابنه من سكرات الموت؛ إذا رفض قل له: شفاء ابنك في لوز (حلال المشاكل)، جلس من رؤياه، فمرّ كل شيء حسب رؤياه، وجد النقود وبعث الرجل وشفي ابنه، والسجين يرتل الدعوات على (حلال المشاكل)، أطل الملك من النافذة، فرأى غرابا وضع العقد على الشجرة وطار... فسلم عبد الله الحطاب، وكافأه الملك بمال وجاه وسلطان...
|