حتما سيكون المشهد اكثر دموية واشد ألماً عندما تتحدث عن حقائق تجسدت امامك ونقلتها عيونك المصوبة نحو الحدث الى روحك وعقلك لتستقر كعلقة سوداء في ضميرك وبين اضلعك سنين طويلة, صور طُبعت في ذاكرة الاجيال دون تدليس ولا فبركة اعلامية ممكن ان يشكك بها الطرف المحايد اوينكرها من تمكنت من قلبه غشاوة حقد اعمى او جهل مركب.
اربع سنين قضيتها في معتقل الصحراء العربية فكانت تجربة كافية ومفيدة لنا جميعاً لمعرفة مقدار الكره الوهابي المتمذهب ضد العراقيين النازحين عبر الحدود الى السعودية. حدث النزوح بانسيابية واضحة وغريبة وبرعاية قوات التحالف التي ضمنت سلامة الناجيين من جحيم البعث وراجماتة الفتاكة.....فالعملية اثارت في نفوسنا الكثير من الشكوك والقلق كأنها كانت مدبرة من قبل "خصوم صدام" بطرفيه الامريكي والوهابي, أثناء وبعد اجهاض الانتفاضة الشعبية والتي كانت احدى الوسائل الناجعة ـ حسبما تبين بعد ذلك ـ التي قاموا بها لتفكيك مجاميع الثائرين ضد البعث الفاشي وتفريغ الساحة العراقية لهيمنة الجيش الصدامي من جديد بعد هزيمته النكراء امام قوات التحالف في حرب الخليج الثانية ( عاصفة الصحراء)!!
اشتدت ضراوة المعارك الدامية وشرعت القوات العراقية بعمليات الابادة الجماعية للمواطنين بعد اعطاء الضوء الاخضر من امريكا وحلفائها في المنطقة للحكومة البعثية باستعمال المروحيات لقمع الثوار في انتفاضتهم الخالدة , الانتفاضة التي نقلت العراق من الصمت المطبق والخنوع الفاضح الى الكفاح المسلح وكسرت حاجز الخوف في قلوب العراقيين بصرف النظرعما آلت اليه النتائج المؤلمة والقاسية وما ترتب عليها من سقوط الكثير من الضحايا.
بدأت القوات الوهابية المكونة من عناصر جاهلة ومتخلفة لاتفقه ابسط مقومات وشروط التعامل الانساني باستلام معسكرات الاجئيين العراقيين في "الارطاوية ورفحاء" والتي اطلقوا هم عليها معسكرات ( ضيوف الملك!!) التي اقيمت في الصحراء القاحلة بعيداً عن الحياة الطبيعية ومنها انطلقت عمليات القتل والتعذيب واطلاق النار بشكل عشوائي ضد الاجئين العزل لادنى سبب.
بانت حقيقة البدوي السعودي منذ الحظات الاولى لوصولنا وتعاطفة الغريب مع نظام صدام رغم ان الحرب قد وضعت للتو اوزارها بخروج القوات العراقية من ارض الكويت وتوقيع اتفاقية خيمة صفوان المذلة, بانت حين قال احد الضباط السعوديين لنا بعد معرفته اسباب تواجدنا على اراضي السعودية . (انتم تريدون اسقاط ابو عدي يا بكَر( بقر)... اتخسون) موقف غريب لم نفهمه الا بعد مدة ليست بالقصيرة وتزايد التعامل الحيواني من قبل جنود آل سعود مع الشباب العراقي المحاصر بالاسلاك.
كان مجرد حدوث مشكلة بسيطة مع الجنود من قبل بعض المشاغبين ( السرسرية ) او حتى فيما بين العراقيين انفسهم تاتي الاوامرللبهائم العسكرية الموزعة بشكل منظم حول المعسكر باطلاق النار باتجاه المجاميع البشرية داخل (الاشباك) في مساحة صغيرة والمحاطة باسلاك "بي آر سي" ,هذا ماحدث في الارطاوية معتقل مايسمى باسرى الحرب اثر مشكلة حصلت في ( الشبك رقم 18) بين العراقيين انفسهم , لم ندرك اسبابها الحقيقية حتى بعد تسليم كافة افراده الى السلطات العراقية على الحدود ضاربين بذلك عرض الجدار كل المواثيق الدولية المتفق عليها بخصوص اسرى الحرب.....مازلت اتذكر احد الجنود البدو وهو يصيح ( وينك يارنب ... ارفع راسك) ويطلق النار صوب الخيام المتراصة كقطع الدومينو داخل الاشباك مع ان المشكلة حدثت في مكان اخر.
بعد انتقال معسكرنا نهاية عام 1992 ودمجه بمخيم رفحاء للعوائل واجهنا وضع جديد وسجن اوسع بكثير من الاقفاص الصغيرة السابقة التي خنقتنا لسنتين والتي تضم المئات من الشباب العراقي وبدات آمالنا بالنجاة تتضائل, بدأنا نبحث عن طفل نراه لعائلة عراقية , نفتش عن عيون اهلنا بين العراقيين ( العوائل) هناك ولكن للاسف لم نجدها !!!.. لاسباب موضوعية وعشائرية. سنتين قضيناها في الارطاوية لم نشاهد فيها اي شي يمت الى الحياة الطبيعية ومفرداتها بصلة سوى الصحراء الشاحبة الممتدة من كل الجوانب .. افق رملي جامد لاينتهي كأنه العدم...
وصلنا الى هناك في اعقاب اعتصام كبير قام به اغلب سكان معسكر العوائل "رفحاء" ضد السعودين بسبب السياسات القذرة التي كانت تمارس ضدهم من قبل الجيش السعودي اضافة للترحيل القسري لبعض الشخصيات العراقية عبر الحدود وتسليمهم للاستخبارات العسكرية العراقية بالتعاون مع بعض شيوخ العشائر الخونة والوصوليين داخل المعسكر بعد زيارات قامت بها عناصر استخبارتيه قادمة عبر الحدود وبالتواطئ من قبل الجيش السعودي معهم مما اثار حفيظة العوائل هناك فقرروا الاعتصام حتى تنفيذ مطالبهم والتوقف عن اختطاف العراقيين ليلاً وتسليمهم للحكومة البعثية وقد اشار المقدم حميد جبر الواسطي الى تفاصيل اكثر عن الاحداث هناك في مقالته (حقائق غائبة عن الأنتفاضة واللاجئين العراقيين ) الرابط (1). في الجزء الثاني سنتحدث عن الجرائم القذرة التي ارتكبها الجيش الوهابي ضد اللاجئين العزل امام صمت الاعلام العربي والعالمي!
|